الحزن بعد الوفاة… كيف نسيطر عليه؟
بالنسبة إلى كثيرين، قد تكون وفاة أحد الوالدين واحدة من أعمق الخسائر خلال سنوات حياتهم، فتترك أثرا لا يزول في نفوسهم وسواء كانت الوفاة مفاجئة أو متوقعة، يحتاج الإنسان إلي المساعدة لاستعادة الحياة الطبيعية مرة أخرى.
وقد تساعدك ممارسات الرعاية الذاتية، وإستراتيجيات التأقلم على تقبل الخسارة والتكيف مع الوضع الجديد، خاصة أن وفاة أحد الوالدين على وجه الخصوص تُشعر الإنسان أن الموت بات قريبا، لا سيما أن هذا الشخص لم يتزعزع وجوده في حياتك أبدًا من قبل.
ومع ذلك، يتوقع منك المحيطون أن تتجاوز أحزانك خلال فترة وجيزة، وربما يحاول البعض، مدفوعين بحسن النية، مساعدتك على تجاوز مرحلة الفجيعة في أسرع وقت، كنوع من الدعم، والعودة إلى حياتك اليومية بكل ما تتضمنه من تفاصيل خاصة بالعمل والدراسة والروتين اليومي.
لا توجد طريقة صحيحة وأخرى خاطئة للحزن، لكن المؤكد أن رحيل أحد الأبوين مؤلم بدرجة كبيرة تغير مسار حياة البعض، إلا أن الوقوف مع النفس ومراجعتها قد يساعدك على تجاوز درجات الحزن تدريجيا.
اعترف بالخسارة
يصاحب خبر وفاة أحد الوالدين الشعور بالصدمة وربما الإنكار أحيانا، إذ تتمنى أن تكون الحالة التي تعيشها الآن مجرد كابوس مزعج ستخرج منه خلال دقائق، لكن الواقع يؤكد أن ما تعيشه حقيقة مستمرة، لذا يصبح الاستسلام للواقع والاعتراف بالخسارة أمرا واجبا يجب تدريب النفس عليه.
قد تواجه بعض مشاعر الحزن والتيه وربما الغضب والإحباط والندم، وقد تهاجمك بعض الأفكار المتعلقة بالشعور بالتقصير تجاه والديك. لكن الشعور بالفقد واستحالة العودة إلى الوراء سيسيطر على شعورك، فلا تحاول مقاومة أحزانك أو إنكارها.
تجربة الحزن الكاملة
الحزن تجربة حياتية يخوضها الجميع بدرجات متفاوتة، أنت نفسك لا تعرف متى وكيف تنتهي، ولا تتوقع أن إنكار الحدث يساعدك على تجاوز الحزن، بل على العكس اسمح لتجربة الحزن أن تبدأ وتنتهي بكل مراحلها حتى تتعافى.
لا يوجد وقت محدد للتعافي التام، كما أن تجاوز الحزن غير مرتبط بالنسيان، هذه النقطة تحديدا يحاول البعض مقاومتها، إذ يظن الشخص أن التعافي مرتبط بنسيانه لوالديه، ويلزم نفسه أدبيا وأخلاقيا بالانغماس في الحزن حتى لا ينسى من يحب، إلا أن تقبل الحزن يعني أن تحترم مشاعرك الداخلية، بينما ستتذكر والديك في كل مشاهد حياتك اليومية من دون انهيار أو توقف.
تقول كارلا ماري مانلي، اختصاصية علم النفس السريري في مقاطعة سونوما بكاليفورنيا، إن “كبت مشاعرك أو تجزئتها يمكن أن يتسبب في انفجار مشاعرك غير المعالجة على شكل نوبات من الغضب، أو تركك منغلقا عاطفيا على الأشخاص من حولك”.
شبكة الدعم
في البداية يرى كثيرون أنهم في حاجة شديدة إلى العزلة، ربما للبكاء أو المناجاة أو استرجاع الذكريات، إلا أن إنشاء نظام دعم، سواء كنت تعتمد على أفراد الأسرة أو الأصدقاء أو العلاج الجماعي، يساعد في التعافي بصورة سليمة.
اختر المقربين الذين يتقبلون الإنصات إليك وتقدير مشاعرك المرتبكة المتشابكة، واسمح لمشاعرك في الخروج ضمن دائرة آمنة من المقربين.
اكتب رسالة إلى والدك المتوفى
لم تنته فرص التواصل بعد، رغم استحالة التواصل المباشر في الواقع، فإنك تستطيع تفريغ شحنة المشاعر من خلال الكتابة، التي لها دور كبير في تخفيف الألم بشكل عام، وبصورة خاصة بعد الصدمات النفسية العنيفة في حياتك.
حاول كتابة خطاب إلى والديك. ركز على ما لم تخبر والدك به، وما الذي تريد أن تشكره عليه، وما تندم عليه، وما تأمل في الاستمرار به كجزء من أثره ومسيرته.
احتفظ بالذكريات
احتفظ بكل ما يرسخ ذكريات والديك، سواء كان ذلك في مقتنياتهم أو جزء من متعلقاتهم الشخصية أو صورهم، لكن تذكر أنه كلما كانت تلك المتعلقات محدودة زادت قيمتها لديك، فلا تحتفظ مثلا بخزانة ملابس والدك، لكن يمكنك الاحتفاظ بنظارته أو قميصه أو شيء يحمل ذكرى ثمينة في حياته، جميعها أشياء تجعلك تسرق من الواقع المؤلم بعض الدقائق السعيدة التي تجمعك بذكريات من تحب.
والذكريات المتعلقة بوالدك غير مرتبطة بالأشياء فقط، ربما الأقارب والأصدقاء المقربين من والدك أو والدتك يحملون إليك بعض الذكريات الرائعة مع الراحلين، والتي بدورها تخفف من آلامك، حينها فقط ستجد أنك تبتسم ابتسامة رضا عندما تتذكر والديك ولن تنسحق في أحزانك.(الجزيرة)