لبنان

طلباً لتحسين ظروفهم…سجناء القبة يتمردون بتشطيب أنفسهم

24 آب, 2024

نفّذ عدد من السجناء، ليل الأربعاء – فجر الخميس 21 من آب الجاري، “تمرّدًا” وعصيانًا داخل إحدى زنازين سجن القبة في طرابلس، حيث أقدم نحو الـ 30 نزيلًا على إلحاق الأذى بأنفسهم، وجرح أجسادهم ورؤوسهم بآلاتٍ حادّة. وقاموا بتحميل الصور ومقاطع الفيديو على وسائل التواصل الإجتماعي، الّتي تظهر أجسادهم والأرضيّة المبلّلة بدمائهم فضلًا عن بعض النزلاء الملقيين أرضًا مضرجين بالدماء. لقيت هذه الصور تفاعلاً عند رهط واسع من نشطاء التواصل الاجتماعيّ، الذين تبنوا بعض الشائعات الّتي تُفيد بأن القوى الأمنيّة وتحديدًا “مكافحة الشغب” هي المتسبب بجرح هؤلاء. ليتبين لاحقًا أن النزلاء افتعلوا جراحهم كتعبيرٍ عن التمرّد والمطالبة بنقلهم إلى سجون أخرى أقرب إلى ذويهم.

والحال، أنّه وعلى سيرتهم الدائمة، لا يُكف نزلاء السّجون اللّبنانيّة وذويهم عن مطالبة الجهات المولجة بحلحلة أوضاع السّجون والمساجين المفسودة بالتقاعس والتحامل الرسميّ، على حدٍّ سواء، أكان بإعلاء الصوت أو بتنفيذ “تمرّد” شبيه بالذي أقدموا عليه مؤخرًا.. وفي حين أن هذا الملف يبدو امتداداً متوقعاً وبديهيّاً لأزمة الأمن والقضاء المشلول والمنهار، إلّا أنّه اليوم وبعد خمسة سنوات تقريبًا من عمر الأزمة اللّبنانيّة المستفحلة، بات يستحق النظر إليه ومقاربته بصورةٍ حقوقيّة على الأقلّ، بعد عشرات المحاولات الّتي افتعلها السّجناء، استجداءً للإلتفات الرسميّ.

تمرّد في سجن القبّة
وفي التفاصيل، كشف أحد السّجناء المتواجدين في سجن القبّة في حديثه إلى “المدن”، أن السّجال بدأ بعدما فشلت كل محاولات النزلاء من المناطق البعيدة وتحديدًا البقاع وبيروت والجنوب (من الطائفة الشيعيّة تحديدًا)، في تحقيق مطالبهم بنقلهم إلى سجون تكون أقرب إلى ذويهم. وخصوصًا أن سجن القبة الذي يغصّ بالسجناء، بات “جحرًا” للعصابات الّتي أنهكت غالبية النزلاء. ويقول السجين: “مطلبنا كان وضع حدّ للتفلت الحاصل، لا نريد شيئًا سوى نقلنا إلى روميّة حيث بإمكان أهلنا زيارتنا وإحضار المؤن وأدوات التعقيم وغيرها. في سجن القبة، حيث العصابات تتحكم بمصائرنا، نضطر إلى تقديم الخوات كي لا ينهالوا علينا بالضرب أو الاعتداء (وأحيانًا الجنسيّ)”. ويُضيف السجين:” السجن موبوء بهم، وهناك ثلاثة سجناء وهم: (أ. ج. ن.) ، (ح. ج.) ، (إ. ب.) قادة هذه العصابات، حيث تُقايض هذه العصابات المواد الغذائيّة بالمخدرات مثل الريفوتريل (Rivotril)، البنزكسول (Benzhexol)، وحشيشة الكيف وغيرها”.

ويؤكد سجين آخر لـ “المدن”، أنّ فكرة التمرّد هذه جاءت بعدما فقد السّجناء الأمل في تحقيق مطالبهم، في نقلهم إلى سجون أقرب إلى ذويهم وتحديدًا سجناء البقاع الذين نقلوا إلى القبة من دون تبرير رسميّ واضح. وخصوصًا أن قوى الأمن تنقل أعتى المجرمين إلى هذا السّجن بحجة “التأديب” وبحسب قوله فإنّهم “يبتلون” بهؤلاء الذين ينغصون عيشهم في السّجن الموبوء أساسًا بالأمراض الجرثوميّة والجلديّة. وما زاد الطين بلّة، وفق السجين، هو نقل السّجناء من الجنوب والضاحيّة (وفق خطة طوارئ قوى الأمن بالتزامن مع المواجهات بين حزب الله وإسرائيل)، إلى سجن القبّة، مما زاده إشغالًا، هو المكتظ أساسًا.

من جهته يُشير مصدر رسميّ لـ “المدن”، إلى أن الإشكال الذي وقع لم يكن للقوى الأمنيّة أي صلّة به. ونفى المصدر أي شائعات تتعلق بدخول مكافحة الشغب إلى الزنزانة الّتي وقع فيها الحادث وضرب السجناء وسلبهم الهواتف والمخدرات. وأكدّ المصدر على بيان قوى الأمن الداخليّ الذي جاء فيه ما يلي:” تتناقل بعض وسائل التواصل الاجتماعي، فيديوهات وتسجيلات تُظهِر عدد من السّجناء في إحدى غرف سجن القبّة – طرابلس يطالبون بنقلهم إلى سجن روميه، وذلك على خلفيّة زعمهم بتعرّض نزلاء شركاء لهم في الغرفة، للطّعن من قبل سجناء من غرفة أخرى، وقد أعطوا للحادثة بُعداً طائفيًّا، علمًا أنّ هذه الغرفة تضم سجناء من عدّة طوائف. ويهمّ المديريّة العامّة لقوى الأمن الدّاخلي أن توضح ما يلي:

أولًا: أنّ هذه الأخبار مغلوطة، وإنّه قد حصل مساء يوم 21- 8-2024 شجار فردي بين مجموعة سجناء -من دون حصول إصابات- وتدخّلت إدارة السّجن وفضّت الإشكال بصورة فوريّة، وعملت على نقل بعض السّجناء المسبّبين للشجار، تأديبيّاً، والتّحقيق مستمر بإشراف القضاء المختص.

ثانيًا: في وقتٍ لاحق قام أولئك الذين يظهرون في الفيديوهات -ومعظمهم أُحضروا سابقاً من سجون أخرى إلى سجن القبّة، تأديبيّاً- بتشطيب أجسامهم، وقام آخرون بتصويرهم، مستغلّين الشّجار السّابق، ومحاولين الضغط على إدارة السّجن بغية نقلهم أيضاً إلى سجون أخرى، ولا سيّما إلى سجن روميه المركزي.

ثالثًا: نُقل إلى المستشفى ستة سجناء، كانوا قد عملوا على تشطيب أنفسهم، وقد عولجوا وأعيدوا إلى السّجن في اليوم ذاته. ليختم مؤكداً أن “الوضع في سجن روميه هادئ، كما في سجن القبّة – طرابلس، على عكس ما أشيع في أحد التّسجيلات”.

حال السجون
تشرح الناطقة باسم لجنة أهالي الموقوفين رائدة الصلح، لـ “المدن” طبيعة الوضع في السّجون اللّبنانيّة وتحديدًا سجن القبّة:” حذرنا، ولا نزال نحذر وفي كل مرة للأسف تكون النتيجة كارثيّة على الجميع، بدايةً بإدارات السجون وصولًا لأهالي السجناء. أما السجناء فهم الضحية وان اختلفت العناوين في ظلّ غياب شبه تام لمقومات العيش الصحيّ وعدم وجود محاكمات ليعرف السجين مصيره فتخيلوا سجيناً بين جدران مظلمة حيث لا طعام ولا استشفاء، والظروف المعيشية خارج السجن سيئة جدًا والضغوطات كثيرة، فكيف سيكون حاله وردة فعله عند اي حدث او إشكال”.

وتعلق الصلح على التمرّد بالقول:”جزء من مشكلة القبة، هي أن أهالي السّجناء في البقاع مثلًا لا يستطيعون الذهاب لزيارة أولادهم في طرابلس بسبب طبيعة الاحتجاز التأديبي في سجن القبة وبالتالي استحالة تأمين حاجاتهم. جعل ذلك السجناء في حالة نقمة وضغط نفسي كبير ومع وجود اكتظاظ واعداد تفوق سعة الغرف الطبيعيّة، تتحول هذه الضغوطات إلى احتكاك بين السجناء يعبّرون من خلالها عن وجعهم”.

أما عن الحلول المتاحة فتقول:” الحلّ يكون بمعالجة الأسباب وإن تعذرت الحلول فلا بد من اللجوء لحلّ استثنائيّ في مرحلة استثنائية تمرّ بها البلاد وذلك من خلال قانون تخفيض للسنة السجنية 6 أشهر وتحديد المؤبد بـ 20 سنة والإعدام 25 سنة وإقرار الدعم التلقائي وتنظيف السجلات وإزالة الصفة الجرمية والمادة 303. أما الفائدة من ذلك فهي إعادة دمج السجناء في مجتمعهم. ففي ظل بقاء هذه الصفة، او المادة، لا يستطيع السجين العمل مما يأخذه الى الجريمة مجددًا وهذه التفاصيل تحتاج المتابعة من الجمعيات القانونية وجمعيات المجتمع المدني لإيجاد حلول مرحلية. أما لاحقاً فلا بد من عفو عام يطوي صفحة الماضي التي سادت فيها المحاكمات السياسية والتوقيف لسنوات طويلة من دون محاكمة. العلاج المؤقت يخفف العبء عن الجميع من خلال قانون التخفيض ثمَّ يكون الحل الدائم من خلال العفو العام الشامل”.

شارك الخبر: