عرب وعالم, لبنان

هل تنجح إسرائيل في «تدويل» هدف «حربها الصغرى» على لبنان؟

23 شباط, 2024

جاء في الراي الكويتية:

تتشقّق تباعاً قواعدُ الاشتباك التي حكمتْ جبهةَ جنوب لبنان منذ إطلاقِ «حرب المشاغَلة» عليها في 8 أكتوبر الماضي، بحيث لم يبْقَ منها إلا بعضٌ من ردعٍ عن «حرب كبرى» تستعيض إسرائيل حتى الساعة عنها بـ «حرب صغرى» تتصيّد فيها الأهداف، البشرية والعسكرية، فوق الجنوب وجبل لبنان وعلى تخوم بيروت وفي ضاحيتها الجنوبية، وتوقع ضحايا من المدنيين، بمن فيهم الأطفال، الذين لم يعودوا بمنأى عن مرمى النار ولو حاولت تل أبيب وضْع سقوطهم في خانة «الأضرار الجانبية» التي تعود وتأسف لها «في السرّ».

وفيما كان مسار حرب غزة عالقاً عند المحاولات المستمرّة لانتزاع صفقةٍ لتبادل الأسرى مع «حماس» من فم مفاوضاتٍ مضنية ومزروعة بـ «العبوات» السياسية والأمنية، وفي حين خطفت دمشق الأنظار مجدداً مع الغارة على شقة داخل مبنى سكني في حي كفرسوسة قيل إن قادة من الحرس الثوري الإيراني وحزب الله يترددون إليها بالتوازي مع استهداف مستودع للأسلحة أُعلن أنه «تابع للمليشيات الإيرانية» في مدينة البوكمال، ازداد الاقتناعُ لدى أوساط متابعة بأن «انفصالاً» واقعياً حصل بين جبهتيْ غزة وجنوب لبنان، وذلك بمعزل عن كل الكلام المستمرّ عن ربْط توقُّف المواجهات على الثانية بإنهاء العدوان على القطاع، وكأنّ بالإمكان العودة بـ «كبسة زرٍّ» إلى الستاتيكو الذي كان قائماً على الحدود اللبنانية – الإسرائيلية عشية «طوفان الأقصى».

وترى الأوساط، وهي على خصومة مع «حزب الله»، أن الأخير وفي الإصرار على سرديةِ لا وقْف لجبهة الجنوب قبل وقف الحرب على غزة إنما يُخْفي أن هذا الربْط لا يمكن أن يكون «أحادي الجانب» وأنه لا يسْري على تل أبيب التي باتت تَتعاطى مع جبهتها الشمالية على أنها «قائمة في ذاتها».

وتشير الأوساط إلى أن مجرياتِ الميدان في غزة – التي تم «محو» القسم الأكبر منها وسط تحضيراتٍ إسرائيلية للانقضاض على رفح – تؤكد أن جدوى العملياتِ عبر جنوب لبنان لناحية ردع العدوان على القطاع انتفتْ بما يعزز الاقتناع أن استمرار المواجهات صارتْ له أبعاد وأهداف متصلة «حصراً» بالجبهة اللبنانية و«اليوم التالي» لها، مستحضرةً إشاراتٍ أطلقتها تل أبيب أكثر من مرة في اتجاهين:

– الأول أن أي تهدئة في غزة لن تنطبق حُكْماً على جبهة الجنوب التي حوّلت إسرائيل فتْحها «فرصةً» لطالما انتظرتْها وحاولت «صناعتها» وخصوصاً خلال كل تمديدٍ لـ «اليونيفيل» العاملة في جنوب لبنان والتي تُعتبر الناظمة لتطبيق القرار 1701، سواء لنقل تفويض هذه القوة إلى الفصل السابع أو إيجاد ضغط دولي لتنفيذ القرار الأممي وتحديداً الشق المتعلق بجعل جنوب الليطاني منطقة خالية من السلاح والمسلّحين، وذلك من خارج معادلة «كل ما لا يُرى غير موجود» التي طبعتْ هذا الشقّ «على الطريقة اللبنانية».

– والثاني أن الإطباقَ التصاعدي بالنار الذي تعتمده إسرائيل بضربِ أهداف في «بلاد الأرز» عائدة لحزب الله هو «عاصفة سبّاقة» لِما هو أدهى ما لم تنجح المساعي الديبلوماسية في توفير أرضيةٍ تحقّق، إلى جانب إخماد المواجهات، هدفَ إبعادِ الحزب مسافة كافية لتشكّل ضمانة أمنية ونفسية لمستوطنيها للعودة إلى منازلهم من ضمن ترتيباتٍ تارةً توحي بأنها لمرحلة ما بعد غزة وطوراً بأنها للمدى القريب، أي بمعنى فصْل الجبهتيْن.

وفي حين يتم التعاطي مع عمليات المحاكاة المتوالية، لطوارئ صحية وكهربائية، التي تُجْريها إسرائيل لحرب شاملة مع لبنان، على أنها في سياق «تحميةٍ» ينبغي عدم الاستهانة بها أو الاكتفاء بالتعاطي معها على أنها «حرب نفسية»، فإنّ الأوساط نفسها تعتبر أن الارتقاءَ في الضربات الذي تعتمده تل أبيب، وآخر تجلياته كان في استهداف النبطية (حيث سقط 7 مدنيين من عائلة واحدة) ثم الغازية قرب صيدا، وبينهما جدرا (الشوف – جبل لبنان)، يشكّل مؤشراً بالغ الخطورة إلى أن إسرائيل تحاول أن ترسي معادلة win-win situation بحيث تحقق فوزاً بالنقاط ما لم تكتمل عناصر أو ظروف الحرب الكبرى، وتُحْدِث ربط نزاع بالنار لم يعد هناك مفرّ معه من تدويلٍ للحل الأمني لجبهة الجنوب بعدما باتت في ضوء وقائع الميدان متقدمةً خطوة على صعيد الإمساك بزمام المبادرة هجومياً.

وتشير الأوساط عينها في المقابل إلى أن ارتقاء حزب الله بردوده يبدو محكوماً بضوابط ذاتية وأخرى متصلة بمقتضياتٍ إيرانية، وحتى إزاء سقوط مدنيين، بحيث لم تعد معادلة «من كريات شمونه إلى إيلات» و«الدم بالدم» كافية لتحقيق الردع، وسط مجاهرة المسؤولين الإسرائيليين بأن «سلاح الجو الإسرائيلي يعمل في جميع المناطق في لبنان، والمعادلات التي اعتقد(حزب الله) أنه أوجدها تنهار وعندما يقرّر سلاح الجو والجيش الإسرائيلي الهجوم في دمشق، في بيروت، في صيدا، في النبطية، في كل مكان، يقومون بهذا العمل ولا توجد معادلة تقف في الطريق».

«زهرة الجنوب»

وشكّل يوم المواجهات في الجنوب أمس مؤشراً إضافياً إلى النيات الإسرائيلية العدوانية «بلا حدود» والتي أدت في منطقة مجدلزون إلى سقوط ابنة الخمس سنوات أمل الدر والمواطنة خديجة سليمان جراء الغارة التي استهدفت منزلاً ذُكر أنهما كانتا بجواره.

وتحوّلت صورة أمل، التي وُصفت بأنها «زهرة الجنوب» وهي السابعة في سُبحة الطفولة المسفوكة الدماء في جنوب لبنان، نشيدَ حزنٍ عمّ البلاد وسط إجماع اللبنانيين على إدانة «إجرام العدو» من جهة، وانقسامهم من جهة أخرى حول «حرب المشاغَلة» وما تتسبّب به من ضحايا.

وكانت الاعتداءات الإسرائيلية أمس طاولت غاراتٍ مدينة الخيام وأطراف مروحين وأم التوت وأحراج عيتا الشعب، وقصفاً مدفعياً لبلدات محيبيب، عيترون، يارون، مارون الراس، ياطر، علما الشعب، الضهيرة، الجبين، طيرحرفا، راشيا الفخار، كفرحمام والأطراف الحرجية في تولين والغندورية. كما اخترق الطيران الحربي حاجزَ الصوت فوق النبطية وسط فيديوات أظهرت حال ذعر بين الأطفال في إحدى المدارس.

في المقابل نفذ «حزب الله» سلسلة عمليات ضد مواقع وتجمعات إسرائيلية، فاستهدف «تموضعاً لجنود العدو داخل مستعمرة إيفن مناحم، وفي مستعمرة شوميرا»، و«مبنييْن يتموضع فيهما جنود الاحتلال في مستعمرة أفيفيم».

كما أعلن بعد الظهر «استهداف مستعمرة المطلة وتموضع جنود العدو فيها بالأسلحة المناسبة»، وثكنة زرعيت وموقعي رويسات العلم وزبدين في مزارع شبعا اللبنانية المحتلة و«تجمّع لجنود العدو في محيط موقع المرج».

وفد أميركي

وفي موازاة ذلك، بدأ وفد من لجنة الخارجية والأمن في الكونغرس الأميركي زيارة لبيروت يلتقي فيها كبار المسؤولين ويبحث معهم في المساعدات المقدمة للجيش ودوره في ضوء المطلب بتنفيذ القرار 1701.

وزار الوفد الذي يضم السناتور ريتشارد بلومنتال والسناتور كريستوفر كونز والوفد المرافق رئيس البرلمان نبيه بري حيث جرى عرض للأوضاع العامة في لبنان والمنطقة «لا سيما المستجدات السياسية والميدانية في ضوء مواصلة إسرائيل لعداونها على قطاع غزة والقرى والبلدات اللبنانية الجنوبية» كما أفاد المكتب الإعلامي لبري، قبل أن يُعقد اجتماع مع وزير الخارجية عبد الله بوحبيب.

شارك الخبر: