لبنان

بعد التمديد لقائد الجيش: لا حاجة إلى رئيس للأركان؟

9 كانون الثاني, 2024

كتب نقولا ناصيف في “الاخبار”:

في عطلة الاعياد استراح الافرقاء جميعاً، بمن فيهم الجيش، بعد اشتباك محموم على تمديد بقاء العماد جوزف عون في منصبه. غداة ما حدث راح كل منهم يستعجل تقريش الحصيلة بحثاً عن طريقة لتقليدها في الاستحقاق الآخر الاهم المؤجل: انتخاب الرئيس

مذ مددت سن تسريح قائد الجيش العماد جوزف عون سنة جديدة تبدأ من غد، لم يعد احد يتحدث عن الشق المكمّل لذاك في الصفقة المتكاملة المبرمة آنذاك، وهو تعيين رئيس للاركان وعضوين شاغرين في المجلس العسكري. ما صار الى التفاهم عليه قبل الوصول الى جلسة مجلس النواب في 15 كانون الاول، ان يكون للجميع المشارك فيها حصته: الموارنة بعدم تعيين قائد جديد في ظل الشغور الرئاسي، السنّة بمكسب مواز مماثل للطائفة، الدروز بملء شغور المركز الاعلى لهم في الجيش.لم تكن ثمة حصة رابعة تستحق المجازفة للشيعة وان بتعيين المدير العام للادارة، الا ان ثنائي الطائفة بتقاسمه الادوار اعطى المخرج الملائم الذي من شأنه إشعار الجميع بأنهم ربحوا ما خلا التيار الوطني الحر: الرئيس نبيه برّي اعاد الاعتبار الى صلاحيات المجلس، وأرجع المقاطعين الى مقاعدهم وان في الجلسة تلك وربما لوحدها. الرئيس نجيب ميقاتي جنّب حكومته ما لا يسعها ان تفعله، مفضلاً امرار التمديد في البرلمان. ليس ذلك فحسب ما فعله. استعان بالجيش لتعطيل انعقاد مجلس الوزراء والقاء الوزر على مجلس النواب. ما رامه ميقاتي هو نفسه ما يطلبه الجيش ايضاً ان يصدر التمديد بقانون غير مشوب بعيب مباشر، عبّر عنه اقفال الحواجز العسكرية الطرق الى السرايا لعرقلة وصول الوزراء. قبل 48 ساعة من جلسة 15 كانون الاول، تلقى عون مساء الاربعاء مكالمة هاتفية قيل انها من السعودية تهنئه بتمديد ولايته قبل ان يقع، وقبل ان يتيقن اكثر من فريق من حصوله حتى. حزب الله اوحى بمعارضته اقتراح التمديد بامتناعه عن المشاركة في التصويت الا ان ملائكته من النواب السنّة حلفائه حضروا الجلسة واقترعوا.

اهمية ما حصل في الجلسة وان اصبح من الماضي، انها واءمت بين ضغوط الخارج وتخفيف وطأة التشنج الداخلي. ذُكر في ما بعد ان النواب الحاضرين في لحظة التصويت كانوا 63 نائباً وليس وفق النصاب القانوني الملزم 65، دونما ان يسبق الاقتراع على اقتراح القانون، على جاري العادة، تعداد الحاضرين. ذُكر ايضاً ان حزب الله رام التلاعب بالنصاب وحاول تعطيل اكتماله وهو امهر الحاسبين، عارفاً ان نواباً مستقلين في القاعة الجانبية يتحضرون لتعويض عدم مشاركته.

في نهاية المطاف لم يكن المراد سوى ان يتحقق ما تحقق بالفعل، وهو بقاء عون في منصبه وتفادي شغور قيادة الجيش. ما بعد ذلك كله لم يعد ذا شأن بما في ذلك استكمال ملء الشغور في المجلس العسكري تبعاً لاسباب شتى:

اولها، تأكيد وزير الدفاع موريس سليم انه لن يقترح اسماء لتعيينات المجلس العسكري بعدما انتهت جلسة 15 كانون الاول الى تثبيت قاعدة ان لا تعيينات قبل ان يُنتخب رئيس للجمهورية. ما يقوله الوزير ان عليه «من الآن فصاعداً مجاراة ما يشبه الاجماع عند الافرقاء والكتل جميعاً بمن فيهم بكركي وحزب الله بالامتناع عن اي تعيينات الى ما بعد انتخاب رئيس للجمهورية. من ضمن الصلاحيات المعطاة اليّ سأطبق هذا المبدأ ما داموا يريدونه». لم يُرضه اخراج مجلس النواب تمديد سن تقاعد قائد الجيش بالانقلاب على قانون الدفاع وتعديله. لم ترضه ثلاثة اجتماعات عقدها مع السفيرة الاميركية دوروثي شاي اولها في 5 ايلول وثالثها في 26 تشرين الثاني لم يكن لديها ما تقوله له سوى بقاء قائد الجيش في منصبه. لم يمر عليه سفير دولة غربية الا ليفاتحه في الموضوع نفسه. الا انه يرى ما حدث اضحى من الماضي. طوته ايضاً في خلال الاعياد زيارة قائد الجيش له معايداً.

في وجهة نظر سليم، لا يتقدم رئيس الاركان اهمية العضويْن الآخريْن الشاغريْن في المجلس العسكري وهما المدير العام للادارة والمفتش العام: «بينما الاول لا يعدو كونه مساعداً لقائد الجيش ومعاوناً له – وهو ما تنص عليه المادة 22 في قانون الدفاع – وجزءاً من مؤسسة الجيش التي يترأسها قائد الجيش، فإن العضويْن الآخريْن الاثنين ليسا مجرد مقعديْن شاغريْن بل كل منهما رئيس مؤسسة مستقلة لها ملاكها ويديرها». تالياً، عملاً بالمادتين 15 و16 في قانون الدفاع، تخضع مؤسسات الوزارة كلها لسلطة الوزير وهو المسؤول عن تنفيذ مهماتها: الجيش والمديرية العامة للادارة والمجلس العسكري والمفتشية العامة. كذلك فإن المواد 21 و23 و24 و26 تنص على المواصفات والشروط نفسها للاعضاء الستة في المجلس العسكري.

ثانيها، مضافاً الى ما يقوله سليم بالتلازم بين تعيين رئيس للاركان والمنصبيْن الشاغريْن الشيعي والارثوذكسي على انهم سلة واحدة، تدور احاديث مختلفة في اليرزة خصوصاً وخارجها عن تباين في الرأي حيال المرشح المحتمل للمقعد الارثوذكسي الذي سيحل في المفتشية العامة، مستمر منذ وقت غير قصير قبل تمديد سن تسريح القائد: فيما يفضّل وزير الدفاع رئيس غرفته العسكرية العميد منصور نبهان، رشّح له عون العميد فادي مخول. قيل ايضاً ان لافرقاء مسيحيين آخرين دعموا التمديد اسماء رشحوها وأوصلوها الى المراجع المعنية على انها حصتهم في ملء الشغور. في المقابل يبدو التعيينان الآخران مبتوتين: العميد حسان عودة لرئاسة الاركان والمساعد الاول لمدير المخابرات العميد رياض علام للمديرية العامة للادارة.

ثالثها، وحده مجلس الوزراء يملك صلاحية تعيين رئيس الاركان واعضاء المجلس العسكري بغالبية الثلثين بناء على اقتراح وزير الدفاع على انه شرط لازم ومقيِّد كي يتمكن المجلس من التعيين.

رابعها، مع ان الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط كان العرّاب الفعلي المؤثر للتمديد لقائد الجيش، يدين له الافرقاء جميعاً – بمن فيهم صاحب العلاقة المباشرة – بتكوين غالبية من حول هذا الخيار، فهو خرج اخيراً خالي الوفاض. رفض تعيين رئيس للاركان يحل في صلاحيات قائد الجيش عندما كان التعيين متاحاً وسهلاً، وربط تعييناً كهذا باجراء يسبقه هو تمديد بقاء عون في منصبه. غداة جلسة 15 كانون الاول بدا كأن اولئك تخلوا عنه. المغزى الاكثر دلالة ان لا حاجة الى الوكيل ما دام الاصيل لا يزال في مكانه.

شارك الخبر: