مقومات الصمود مفقودة… لبنانيون لا يريدون الحرب: “تعبنا”
جاء في “الراي الكويتية”:
تحطّ وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا في بيروت اليوم في إطار مهمةٍ قادتْها إلى تل أبيب ورام الله عنوانُها منْع توسيع حرب غزة وإبعاد شَبَحها عن لبنان الذي تُشاغِلُ جبهته الجنوبية إسرائيل منذ نحو 70 يوماً، وسط تدحْرج تهديدات تل أبيب التي حذرت أمس «حزب الله» بأنه «إذا رفع التصعيد درجة واحدة إضافية فسنردّ بـ 5 أضعاف».
ورغم أن لبنان الرسمي يقارب بحذَرٍ «دفترَ الشروط» الدولي الآخِذ في التبلور تجاه «مستقبل» جبهة الجنوب وموجبات تنفيذ القرار 1701 بحذافيره على النحو الذي يُبْعِد «حزب الله» عن الحافة الحدودية وإلى شمال الليطاني، فإنّ لعبةَ الحرب واللا حرب تقضّ مَضاجع اللبنانيين الذين يعلنون التضامن مع غزة المسفوكة الدم ولكنهم يعْلون الصوتَ لتجنيب بلادهم خطر أن يلتفّ حول عنقها «زنار النار».
حملة «لبنان لا يريد الحرب» شكلتْ إحدى «منصات» إعلان رفْض انزلاق البلاد إلى «محرقة غزة». البعض لا يريد الحرب لاعتباراتٍ سياسية وطائفية وتاريخية أو حزبية وحتى مناطقية، والبعض الآخر يرفضها لأنه تعب وملّ من جراحٍ لا تندمل ومن نفْض غبارِ دمارٍ حلّ بالبلاد مرات ومرات ومن أزماتٍ تسلّم أزمات ومن مكوثٍ جديد على «مقاعد الأحزان».
مرجعياتٌ وأحزاب وشخصيات، من مشارب سياسية وطائفية مختلفة، أعلنت الـ «لا» من باب رفض أن يجرّ حزب الله البلاد إلى معركةٍ بقرارٍ تفرّد فيه، ولكن تداعياته المدمّرة ستصيب لبنان برمّته.
أسباب واعتبارات شتى تعكس تعقيداتِ المجتمع اللبناني وعمق الأزمة التي يعيشها نظامه السياسي وعقم «أدواته التشغيلية» وتَشابُك التدخلات الخارجية التي تقبض على قراره.
الراي«استطلعت مروحةً من لبنانيين لا يريدون أن يرتدي بلدهم«المرقّط»مجدداً أو يُجر الى ذلك، لتقف منهم على الأسباب التي تدفعهم الى التمسّك بالاعتراضِ على أن تعود ماكينة الدم والدمار لتفتك بوطنهم، وذلك رغم الاقتناعَ بأن اعتراضَهم سيبقى أقرب إلى«صرخة في وادٍ».
خذلتْهم إيران
المحلل العسكري العميد المتقاعد جورج الصغير ورغم دعْمه غير المشروط لأبطال غزة وتَضامُنه مع أهلها يرفض في شكل قاطِع الميني حرب المشتعلة على جبهة الجنوب حالياً ويصفها بأنها «لعبة قط وفأر لا جدوى منها».
ويشرح «أن اللبنانيين لم يعودوا راغبين بالحرب لأنهم اكتشفوا زيف الادعاءات الإيرانية وأن ما يحدث ليس أكثر من مسرحية تبنّاها حزب الله»: وقال:«الهدف الذي طالما تغنّت به إيران أي تحريرالقدس سقط كونها لم تشارك أو ترسل صاروخاً واحداً نحو إسرائيل. فهي تذرّعت بحجة كونها لم تعرف بما أعدّته حماس ونفذته في 7 أكتوبر كي تبقى على الحياد، ولم تدعم حلفاءها بل وقفتْ تتفرّج عليهم».
ويضيف: «ما يجري على أرض الجنوب منذ نحو 70 يوماً، رغم قسوته، ليس سوى لعبة، لكنها مكلفة إنسانياً ومالياً واقتصادياً. وقد أدرك اللبنانيون أن إيران تضحّي بحزب الله من أجل مصالحها. واللبنانيون الذين عانوا من القضية الفلسطينية ووقفوا ضدّ ياسر عرفات حين قال طريق فلسطين تمرّ في جونيه وانقسموا ودفعوا الثمن، لا يريدون اليوم حرباً لا أفق لها».
ويتابع الصغير: «لو كان هناك دعم إيراني وسوري وفتْحٌ لكل الجبهات لكنا كلبنانيين مستعدّين للتضحية لنرى إلى أين ستصل بنا الحرب المفتوحة. وللأسف لا يزال هناك عقائديون يتبنّون ذرائع الحزب وإيران لكن التململَ في البيئة الشيعية والرفض للحرب صار كبيراً لأنها الأكثر تضرراً لكنها غير قادرة على رفْع الصوت كونها مغلوب على أمرها. فهل من هدف منطقي لسقوط أكثر من 200 شهيد من أجل قواعد الاشتباك؟ لقد تمّت التضحية بشبابنا لتثبت إيران أن ما يجري حقيقة بينما هو ليس أكثر من مسرحية. في العام 2006 قال السيد حسن نصرالله عبارته الشهيرة (لو كنتُ أعلم) وردّد أنها المرة الأخيرة للحرب، لكنه عاد ليُغْرِق لبنان في حرب لا طائل منها في حين أن البلد لم يعُد قادراً لا سياسياً ولا مالياً أو عسكرياً أو نفسياً على التحمل».
الحرب لا يقررها فصيل مسلح
هذا الرأي المتشدّد الذي يرتكز على قناعة سياسية – عسكرية تقابله آراء رافضة للحرب لأسباب أخرى بعضُها سياسي وبعضُها الآخَر إنساني.
ولا شك في أن أبناء الجنوب اللبناني هم المتضرّر الأكبر مما يجري على أرضهم وقراهم ولا يعرفون إذا كان يصحّ تسميته بالحرب أو محاولات لزجّ لبنان بأحداث لا مصلحة وطنية له فيها.
الدكتور علي خليفة، ابن الجنوب مؤسس في حركة «تَحَرُّر من أجل لبنان» يقول: «نحن ضد الحرب لأن قراراً كبيراً كهذا تتخذه الدولة ولا يُنازِعُها فيه فصيل مسلّح يفتح باب الحرب متى شاء. الحرب تتطلب وحدة وطنية لأنها قضية مصيرية ولا يمكن لأي جهة التفرد بقرار الضغط على الزناد. ونحن كحركةٍ تسعى إلى إحداث تَمايُزٍ ضروري ضمن الطائفة الشيعية وعودة اندماج الشيعة كما سائر اللبنانيين في قضايا المجتمع، نرفض جعْل لبنان في فم النار من أجل تَقاسُم المصالح والنفوذ في المنطقة. وفي اعتقادنا الراسخ أنه يجب عدم إعطاء الذرائع لإسرائيل للعدوان على لبنان ولا سيما أن فتْح الجبهة كما حصل لم يساعد القضية الفلسطينية ولم يوقف العدوان على غزة».
من موقعه كابن الجنوب يؤكد خليفة «أن جزءاً كبيراً من أهالي الجنوب ليسوا راضين عما يحدث، فقد تركوا بيوتهم وأصبحوا نازحين وخسروا مواسمهم، وهم يعبّرون عن امتعاضهم لكن ثمة ترهيباً يُمارس بحقهم ومحاولاتٌ لخنْق أصواتهم المعترضة على زج لبنان في أتون الحرب. وهم خسروا أحبة وأبناء لهم ولم يعودوا مقتنعين بسردية الانتصار وبأن الحرب في لبنان لمصلحة غزة. وفي البيئة الشيعية تململ كبير يُهمس به ويتشاركه الجنوبيون في ما بينهم بعدما تبين لهم أن حزب الله لا يستطيع تنفيذ ما كان يقول إنه قادر على القيام به ولا سيما على صعيد وحدة الساحات. وقد أدركوا أن الحزب قادر على أن يُبْقي الوضع متوتراً خدمةً لمصالح أجنبية وليس لمصلحة وطنية أو مصلحة القضية الفلسطينية وأن مشروع الممانعة مأزوم والحرب لا أفق لها».
6200 لبناني بلا مقومات صمود
ميلاد العلم، رئيس بلدية رميش القرية الجنوبية الحدودية التي تتعرض يومياً للقصف، يطلق صرخة رافضة للحرب ويقول: «نحن جماعة ثقافتنا السلام والوطن والجيش والقضاء والمؤسسات، ولسنا هواة حرب وموت. الدول المتقدّمة تفتّش عن آخِر مُحاربيها لتكريمهم فيما نحن على أبواب العام 2024 حياتُنا صارتْ موتاً ودماراً. نحن ضد موت الأبرياء في غزة ولكن لماذا علينا أن نكون في حالة حرب دائمة ونستمرّ في دفع الفواتير الباهظة، علماً أننا منذ العام 1948 لم نشعر يوماً بالاستقرار؟ لقد تعبنا. منذ أكثر من 60 يوماً لم تُستثن رميش يوماً من واحداً من القصف».
ويضيف: «أطفالنا يعانون مشاكل صحية جراء تنفس الفوسفور ويعيشون التروما وكذلك كبارنا. أكثر من 1500 طالب من رميش قابعون في بيوتهم خائفين يتعلّمون عن بُعد فيما طلبة لبنان مستمرون بالدراسة بشكل طبيعي. المدارس التي مازالت تدفع لأساتذتها قد لا تتمكن من سداد رواتبهم الشهر المقبل مع بقاء الطلبة في بيوتهم وعجز الأهالي عن دفْع الأقساط بعدما باتوا غير قادرين على التوجه الى أعمالهم أو بساتينهم».
ويتابع: «لا تعنينا الأسباب السياسية ولا الحزبية. نحن نرفض الحرب لأسباب إنسانية لأن 6200 مواطن لا يزالون صامدين في رميش من دون أن تُقدَّم لهم أدنى مقومات الحياة. ولذا نناشد الدول الصديقة مثل السعودية والكويت وقطر الالتفاتَ نحونا في ظل الغياب التام لدولتنا. 50 منزلاً تَكَسَّرَ زجاجها بالكامل، فهل يمكن لأهلها الانتظار حتى انتهاء الحرب لينالوا تعويضات؟ لبنان يعيش أجواء الأعياد وفرَحها وزينتها فيما أطفالنا في رميش محرومون هذه الفرحة. إنها مأساة لابد من رفْضها ورفْع الصوت عالياً علّ أحداً يسمعنا».
… تعبنا
لكن ليس أهل الجنوب وحدهم مَن يدفعون الثمن، فلبنان بأسْره بات يتكبّد تكلفة اقتصادية عالية تصل بحسب الخبراء الاقتصاديين الى نحو 20 مليون دولار يومياً، في ظل عودة النمو إلى التراجع بعدما تشكلت أمامه بارقة أمل في موسم الصيف الماضي.
الأسواق التي تنتظر موسم الأعياد تعاني، بحسب كل المؤشرات، ركوداً واضحاً رغم حركةٍ تعجّ بها مراكز التسوق لكنها تبقى دون الطموحات بكثير. مقيمون ومغتربون يشعرون بهذا الواقع الذي أنتجتْه الحرب ويشعرون بثقلها في يومياتهم. ومن هنا كان التفاعل مع حملة #لبنان_لا_يريد_ الحرب واسعاً وصار الهاشتاغ«ترند»واحتلّ المراكز الأولى.
«شيعة ضد الحرب»، «تنذكر وما تنعاد»،«لبنان لا يريد الحرب»… كلها صفحاتٌ انطلقت على مواقع التواصل لتعلن «لا» للحرب. فنانون، مؤثّرون، إعلاميون ومفكّرون رفعوا الصوت وأعلنوا موقفهم.
إليسا، مايا دياب، زين العمر وغيرهم غرّدوا أكثر من مرة على منصة «اكس» لتأكيد أن لبنان لا يريد الحرب، فيما أطلّ مؤثّرون كثر على صفحاتهم الخاصة ليشرحوا سبب رفْضهم.
صفحة «حرب 2006 تنذكر وما تنعاد»، تَعتبر وفق استطلاعات شركة ستاتيستك ليبانون أن 73 في المئة من الشعب اللبناني لا يريد الحرب وأن هناك إجماعاً وطنياً على رفْض الدخول في الحرب يسانده حتى 50 في المئة من الشيعة.
وغالباً ما تذكر الصفحة كشعار لها «يللي فينا مكفّينا» أو «لا نريد أن نعيش مأساة غزة» و«أبعِدوا هذه الكأس المُرّة عنا» وان لبنان لم يعد قادراً على دفع ثمن الحرب بعدما افتقر دولةً وشعباً.
باولا الست، وهي مؤثّرةُ موضة يتابعها مئات الآلاف، نشرت في فيديو لها أن كل شيء تمت سرقته من الشعب اللبناني الذي لم يتبقّ له أي شيء ولم يعد قادراً على تحمل المزيد.
وتضيف: «تعبنا ونحن نعيش في غربة عن وطننا ولا نعرف إذا كنا قادرين على زيارته ورؤية أهالينا فيه. خائفون من العودة الى لبنان».
وكان عدد من الناشطين الاجتماعيين أطلقوا حملة no to war وطالبوا بتوقيع عريضة تدعو المجتمع الدولي إلى الدفْع باتجاه وقفٍ لإطلاق النار في غزة وتعبّر عن رفْض الدخول في دوامة عنف ودمار يتحمل تبعاتها المجتمع اللبناني بأسره ويَخرج الجميع منها خاسراً. وتم جمع نحو 10000 توقيع على هذه العريضة الداعية ايضاً الى رفض مصادرة القرار اللبناني وتحويل البلد الى«صندوق بريد للقوى الإقليمية».
أهل، أطفال، كبار سن، فقراء كما أصحاب مصالح، مقيمون ومغتربون، اجتمعوا على عبارة واحدة: «لا للحرب… قدرتنا على التحمل وصلتْ الى ما دون الصفر».
المصدر : الراي الكويتية