قيادة الجيش: لا التعيين مُيسّرٌ ولا التمديد آمن
كتب نقولا ناصيف في “الأخبار”:
دونما أن تكون خافية صلة الوصل بين استحقاقَيِ الجيش ورئاسة الجمهورية، إلا أن مرور الوقت قبل الوصول إلى مخرج في الأول يفكّ ارتباطه بالثاني أو يحكمه به، يضاعف من وطأة العقبات وتأجيل الخيارات المتاحة.
فيما لا عجلة في عامل الوقت بإزاء انتخاب رئيس للجمهورية، وقد مضى على شغور المنصب سنة وشهر يكتمل بعد يومين، لبتّ مصير قيادة الجيش مهلة مقيّدة يصعب تجاوزها تفادياً للمحظور. ذلك ما يساهم في طرح مخارج مختلفة لم يحظَ أيٌّ منها الى الآن بتوافق الحد الأدنى يتيح إمراره: لا تعيين قائد جديد للجيش خلفاً للعماد جوزف عون بعد إحالته على التقاعد في 10 كانون الثاني 2024 يحظى بالتوافق الممكن، ولا تمديد سنّ تقاعد القائد الحالي بقانون في مجلس النواب يحظى بدوره بتوافق ممكن. أما المخرجان المتبقيان فدونهما صعوبات ليست أقل تأثيراً: تأجيل تسريح عون بقرار من وزير الدفاع موريس سليم مستعصٍ، والتفكير في تعيين رئيس للأركان في مجلس الوزراء يتسلّم صلاحيات قائد الجيش ما إن يشغر منصبه نصف مستعصٍ.
استعصاء خيار تأجيل التسريح مرتبط بالموقف السياسي المغالي في سلبيّته من وجود عون في منصبه لدى التيار الوطني الحر، وهو المبرّر الفعلي لطلب تعيين قائد خلف له على أنه أفضل الطرق للتخلص من القائد الحالي.
أما الاستعصاء الثاني فيرتبط بالمرجعية الوحيدة المعنية بتسمية رئيس الأركان، وإن يكن مصدر التعيين هو مجلس الوزراء «بناءً على اقتراح وزير الدفاع الوطني بعد استطلاع رأي قائد الجيش» عملاً بالمادة 21 في قانون الدفاع. كلا وزير الدفاع وقائد الجيش ليسا سوى ممرّين شكليّين لتعيين رئيس الأركان. أما مجلس الوزراء فلا يسعه إلا التسليم بالاسم الذي تقدّمه المرجعية الحصرية، المكرسة منذ عام 1991 بالرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط يوم اختار العميد رياض تقي الدين للمنصب.
قبل ذلك التاريخ، في حقبة ما قبل الحرب، لم تكن تسمية رئيس الأركان شرط الزعيم الدرزي الأب كمال جنبلاط. رئيس الأركان التاريخي في الجيش يوسف شميط سمّاه الرئيس فؤاد شهاب عام 1959 واستمر من بعده حتى عام 1971. خلفه سعيد نصر الله الذي لم يكن جنبلاطياً. كذلك ثالثهما منير طربيه عام 1977 في عهد الرئيس الياس سركيس.
الموقف المعلن لجنبلاط معارضته تسمية رئيس للأركان يُراد منه الحلول محل قائد الجيش الى ما بعد انتخاب رئيس للجمهورية لا أحد يعرف متى يحين أوانه. مع ذلك، يبدو وحده حلّ الحدّ الأدنى المتاح التوافق عليه: لا يخسر فيه رافضو استمرار عون في منصبه، ولا يربح المصرّون على بقائه. قيل إن جانباً من زيارة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي تيمور جنبلاط للنائب جبران باسيل في البترون في 14 تشرين الثاني تناول هذا الشق في الحل.
تعيين رئيس للأركان، خلافاً للتمديد لقائد الجيش، ليس موقتاً ولا انتقالياً شأن ذاك لسنة، بل يستمر الى أن يحال بدوره على التقاعد. إذذاك تُطرح مشكلة مكمّلة لتلك الرائجة اليوم: كما لا يمكن تعيين قائد للجيش في غياب رئيس للجمهورية فيُفرض عليه ولم يكن هو مَن اختاره، يصحّ ذلك أيضاً على تعيين رئيس للأركان يُفرض على قائد جديد للجيش لم يُعيّن بعد وليس هو مَن استُطلع رأيه فيه – وهو غير ملزم في كل حال – أضف أنه الرجل الثاني في القيادة كما في المجلس العسكري.
راكمت أخيراً بضعة معطيات من حول مصير قيادة الجيش قبل الوصول الى 10 كانون الثاني المقبل:
أولها، الجلسة المفترض أن يوجّه رئيس البرلمان نبيه برّي الدعوة إليها قبل 15 كانون الأول المقبل، لمناقشة جدول أعمال مشاريع قوانين إصلاحية في أسفل بنوده أكثر من اقتراح قانون مرتبط بالجيش: ذاك المقدّم بصفة العجلة من حزب القوات اللبنانية لتمديد سنّ تقاعد القائد الحالي سنة، وآخر تقدّم به نواب سنّة أضاف تمديد بقاء المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان في منصبه، رغم تسريحه المتأخر في أيار المقبل. في حصيلة المتوقع من الجلسة دمج الاقتراحين أحدهما في الآخر للخروج بثالث يرضي الطرفين.
فريقان اثنان يريدان الجلسة: برّي لتكريس حق المجلس في التشريع أنّى شاء ومتى شاء بين جلسات انتخاب الرئيس ما دام يقفل محاضر هذه. حضور المقاطعين الجلسة يكسبه تثبيت هذا الحق واستخدامه في كل حين. يريد الجلسة أيضاً كمَن يبلع الموسى في حلقه حزب القوات اللبنانية بأن يرغم نفسه على حضور جلسة اشتراعية ظلّ يعتبرها غير دستورية في ظل الشغور. ارتضى أن يفعل من أجل إمرار تمديد تقاعد عون. ما يردّده نواب الحزب أنهم لن يحضروا أيّ جلسة أخرى في ما بعد قبل انتخاب الرئيس. ردّ فعل رئيس المجلس أن المرة الأولى تكفي لتثبيت القاعدة وكسر المكابرة.
ثانيها، ليست هذه فحسب مشكلة الجلسة ومنتهاها. ما يقوله رئيس البرلمان عنها ان النصف زائداً واحداً كافٍ لانعقادها، والنصف زائداً واحداً من الأكثرية المطلقة الحاضرة، أي 34 نائباً، كافٍ لإمرار قانون تمديد سنّ تقاعد عون. مؤدّى ذلك أن ربع مجلس النواب يصوّت لبقاء قائد الجيش في منصبه، فيما يشترط الدستور في المادة 65 تعيينه، كسائر موظفي الفئة الأولى، بثلثَي الأعضاء. ليس أدلّ على هذه الخلاصة سوى أن الرجل مستمر على رأس المؤسسة العسكرية بفعل السياسة والنكايات، لا بحكم القانون الذي سيمسي عرضة للطعن أمام المجلس الدستوري. سابقة في ذاتها تتيح تردّد صداها داخل الجيش وحيال وهرة قائد أضحى موقتاً انتقالياً مطعوناً في قانونية منصبه.
البعض المتفائل المؤيد لتمديد سنّ التقاعد يقول إن حظوظ التصويت عليه ستكون مرتفعة وتقارب 90 صوتاً، دونما أن تحول دون الطعن فيه أمام المجلس الدستوري. في المقلب الآخر لدى بعض المتشائمين سؤالهم عما سيفعله حزب الله في الجلسة: يتضامن مع برّي أو يقف في صف باسيل؟
ثالثها، يسمع زوّار رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي تبرّمه من الضغوط التي يواجهها في خيار قيادة الجيش: يصعب عليه إمرار تعيين قائد للجيش يريده باسيل، ويتعذّر عليه قانوناً وعلى مجلس الوزراء الذي يترأّس تأجيل تسريح عون المنوط بالوزير المختص وحده كصلاحية مقيّدة. لتبرّم ميقاتي وجه آخر هو أن البطريرك الماروني بشارة الراعي «يجلدنا كل أسبوع» في عظته عن رفضه تعيين قائد للجيش قبل انتخاب رئيس للجمهورية.
أحدث ما يقترحه رئيس حكومة تصريف الأعمال هو الموافقة على سلّة مشروطة: لا تعيين لقائد للجيش فحسب، بل كذلك لمديرين عامّين سنّة في إدارات مدنية ناهيك بالمجلس العسكري وقادة الأسلاك الأمنية، ما يوصل في الحصيلة الى حاكمية مصرف لبنان. ما إن يسقط الاستثناء الدارج منذ إحالة اللواء عباس إبراهيم على التقاعد بعدما اعتمد في إدارات أمنية وعسكرية، يصبح اللجوء إذذاك الى التعميم الأوسع. ليس الأمر بالبساطة تلك بالنسبة الى حزب الله على الأقل، غير المتحمس للوصول الى ورشة كهذه في هذا الوقت بالذات. لا يريد خذلان باسيل ويأخذ في الحسبان آراء بكركي وأفرقاء مسيحيين آخرين. في لحظة المفاضلة، لا يتردد في الوقوف الى جانب رئيس التيار الوطني الحر. أضف عدم استعجاله في الوقت الحاضر إعادة منصب المدير العام للأمن العام الى الطائفة الشيعية.
يكمن اللغز في أن الحاجة ملحّة الى بقاء اللواء الياس البيسري داخل المعادلة السياسية كأحد المرشحين المحتملين في انتخابات رئاسة الجمهورية.