هل سيكون النّزوح الأخير؟
لم تنفكّ تلك الصبية التي تحبّ الحياة والمتعلقة بالبقاء في لبنان تسأل: لماذا عليها تحمل حروب الآخرين ومشاريعهم في كل مرة؟ ولماذا عليها أن تنزح من منزلها كل عشر سنوات؟ ولماذا عليها إعادة إعمار بيتها ودفع الثمن بسبب من يريدون تحقيق انتصارات على حساب البشر والحجر؟
كتب عمر موراني لـ “هنا لبنان”:
لم تبقَ سفارة عربية أو غربية إلّا وحذّرت مواطنيها من البقاء في لبنان، الخوف يسيطر على الجميع من حرب قادمة لن تكون كسابقاتها هذه المرة، قصفٌ ومناوشاتٌ واشتباكاتٌ ووقوع ضحايا وتهديم منازل عند الحدود الجنوبية حيث تعيش صبية جنوبية لا تنتمي وأهلها لأيّ حزب في بيت سُوِّي بالأرض لثلاث مراتٍ خلال الإعتداءات والحروب المتكررة وأعاد أهلها بناءه من جديد، لكن هذه المرة وفي حال دُمّر مجدداً بسبب العدوان الإسرائيلي ستسقط معه كل الأحلام وذكريات الصيفيات الحلوة، وستذهب شجرات الدار أدراج الرياح ولن يبقى من نفس لإعادة تشييده في ظلّ الأزمة المالية والإقتصادية وضياع أموال العائلة، وتهديد الدول الصديقة والشقيقة بعدم مدّ يد العون من أجل إعادة الإعمار كما في السابق.
حظٌّ عاثرٌ يرافق تلك الصبية لأنّ منزلها في العاصمة يقع أيضاً في الضاحية الجنوبية معقل حزب الله، حيث نال منه العدوان الإسرائيلي في العام 2006، وهذه المرة أيضاً لن تكون العائلة ولا الدول الداعمة لديها القدرة على إعادته لما كان عليه. وعلى وقع التهديدات والتحذيرات المتواصلة والمتزايدة وخطط الحكومة والقوى والأحزاب السياسية وجهوزياتها لتلافي الأزمة المستجدة، علمت تلك الصبية أنّ قيادات وعناصر ومُوالي الحزب بدأوا يعدّون العدة احترازياً لمغادرة عائلاتهم الضاحية الجنوبية وقت الشدة بعد أن نزح الكثير منهم لا سيما النساء والأطفال والشيوخ من البلدات الجنوبية المحاذية للشريط الحدودي، وجرى استئجار منازل في مناطق متفرقة من لبنان تحسباً للأسوأ وسط جشع بعض من يرون في الأزمات ملاذاً للتجارة عبر رفع أسعار المنازل المستأجرة.
خيّم الخوف والرعب على قلبها فهي التي خسرت عملها وضاع تعويضها غير قادرة على استئجار منزل في مكان آمن للهروب إليه حين تحين الساعة. لكن ومع تزايد التوتر في الجنوب قررت تلك الصبية أن تتحضر للرحيل والإجلاء جبلاً إلى منزل إحدى الصديقات التي هاجرت بعد انفجار مرفأ بيروت، فعمدت إلى تهيئة بعض حقائب السفر لتتهجر داخل بلدها لأن ليس لديها القدرة أيضاً على السفر، فلا أموال ولا فيزا للمغادرة إلى بعض أفراد العائلة المهاجرين أصلاً بسبب الحروب والأزمات أيضاً.
كفكفت دموعها المنهالة ومسكت قلبها الذي يدق عشرات الدقات مع كل قطعة ملابس شتوية وضعتها في تلك الحقائب في ظل بداية فصل الشتاء والبرد، ونظرت داخل منزلها الذي يجسد “شقاء العمر” غير قادرة على جمعه لوضعه في حقيبة، لكن ما كان يعزيها مشاهد أهل غزة الذين يغادرون منازلهم عراة أو يموتون تحتها بكرامة بسبب عدم قبولهم “البهدلة” في حال نزحوا ليقطنوا في المدارس وعند أبواب المستشفيات.
وسط كل ذلك لم تنفكّ تلك الصبية التي تحبّ الحياة والمتعلقة بالبقاء في لبنان تسأل: لماذا عليها تحمل حروب الآخرين ومشاريعهم في كل مرة؟ ولماذا عليها أن تنزح من منزلها كل عشر سنوات؟ ولماذا عليها إعادة إعمار بيتها ودفع الثمن بسبب من يريدون تحقيق انتصارات على حساب البشر والحجر؟
أسئلة كثيرة لا إجابات عليها سوى الإنتظار على قارعة مزاج من يقررون الحرب والسلم في لبنان، كما يقررون الترانسفير الداخلي على غرار ما يجري في غزة وقتل الأبرياء تحت الركام. فهل ستكون النتيجة نفسها بعد أن هدّدت إسرائيل بأنها ستعيدنا إلى العصر الحجري؟
تقول تلك الصبية لمن يريدون الحرب: كفى!… كفى وعودوا إلى الوطن الذي يأويكم ويأوي عائلاتكم ومستقبل أطفالكم، كفى حروباً للآخرين على أرض وطنكم، وتحلقوا حول مصلحة بلدكم وشعبكم وانتخبوا رئيساً جامعاً، وشكلوا حكومة فاعلة واعملوا على إحياء المؤسسات سوياً وقوموا بالإصلاحات اللازمة بعد أن طارت أحلام النفط والغاز من أجل مستقبل أولادكم وأحفادكم وكرامة أهلكم الذين ملوا من الإحتفاظ بمفاتيح منازلهم ليعودوا إليها من أجل ستر كبرهم، كفى وعودوا إلى رشدكم قبل فوات الأوان!