اقتصاد

الازمة الاقتصادية المصرية… العلماء يحذرون من “الانتحار الاقتصادي”

28 تموز, 2023

أعلن بنك مصر والبنك الأهلي المصري، أكبر مصرفين حكوميين في مصر، الثلاثاء، طرح شهاداتي استثمار دولارية لثلاث سنوات، الأولى بعائد سنوي 7 بالمئة، والثانية بعائد سنوي 9 في المئة يصرف تراكميا بنسبة 27 بالمئة مقدما بالعملة المحلية، ولحق بهما البنك العربي الأفريقي الدولي في مصر وأصدر شهادة ادخار لثلاث سنوات بعائد تراكمي 40 في المئة يُصرَف مقدما.

وهذا التنافس بين البنوك، بحسب محللين اقتصاديين، يهدف إلى دعم محفظة ودائعها سواء بالدولار أو بالعملة المحلية، كما تستهدف الحكومة المصرية سحب السيولة الدولارية من الأسواق السوداء والسيطرة على التضخم الذي وصل إلى أعلى معدلاته منذ خمس سنوات.

وأثار إصدار الشهادات الدولارية من قبل البنوك المصرية تساؤلات حول إمكانية نجاحها في تحقيق هدفها بتعويض نقص الدولار والسيطرة على السوق السوداء، كما خلق جدالا مجتمعيا حول كيفية سداد هذه العوائد المرتفعة في ظل الأزمة التي يعاني منها الاقتصاد المصري.

شكوك حول إمكانية سداد العوائد
وقال المستشار المالي وأستاذ الاقتصاد بجامعة لافبروه البريطانية، شريف سليمان أبو المجد، لموقع “الحرة” إن منح عائد سنوي على الودائع الدولارية في البنوك بقيمة 7 بالمئة يعتبر الأعلى في العالم، فلا توجد أي دولة تعطي مثل هذا الرقم.

وأضاف أنه على سبيل المثال فيما يتعلق بشهادة الثلاث سنوات ذات العائد السنوي 7 في المئة، من المفترض أن يسترد المودع شهادته بالدولار بزيادة 21 في المئة، بمعنى أنه في حالة الوديعة بمبلغ 10 آلاف دولار من المتوقع أن يستردها الشخص 12 ألف دولار، ومن يُودع مليون دولار سيستلمه مليون و20 ألف دولار.

وتابع الخبير المالي أن “السؤال المطروح حاليا بقوة هو: من أين سيتم تسديد هذه العوائد، في ظل ما تعانيه مصر من أزمة اقتصادية متمثلة في ارتفاع الديون المحلية والخارجية في مقابل الناتج المحلي، بالإضافة انخفاض قيمة العملة المحلية وارتفاع الدولار في السوق السوداء، وتراجع الاستثمار الأجنبي؟”.

وشكك أبو المجد في قدرة الحكومة المصرية على الوفاء بتسديد هذه العوائد في توقيتاتها بالدولار، بالنظر إلى الوضع الاقتصادي في مصر وحجم الديون المتراكمة.

وتحدث أستاذ الاقتصاد عن سبب تشكيكه في قدرة مصر الوفاء بالتزامتها تجاه عملائها في البنوك، قائلا إن قرار اللجوء لهذه الشهادات يعني أن أزمة السيولة في مصر أصبحت عميقة بشكل كبير، وهذا يدل على أن الحكومة المصرية تعاني من صعوبة في جذب التدفقات النقدية أو التمويل، سواء من الشركاء الإقليميين أو من الاستثمارات الخارجية، بالإضافة إلى فشل عمليات بيع الأصول الحكومية.

وأضاف أن مصر من خلال طرح الشهادات تستهدف جذب الأموال الساخنة، والتي تمثل عبئا أكبر على الاقتصاد المصري، لأن مصر لديها تراجع عجز في صافي الأصول الأجنبية الذي وصل، خلال مايو الماضي، إلى 24.4 مليار دولار.

وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن صافي الأصول الأجنبية هو الفارق بين ما تمتلكه البنوك والبنك المركزي من أصول وما عليها من التزامات بالعملة الأجنبية لصالح غير المقيمين، والعجز يعكس تواجد خلل هيكلي في موارد والتزامات القطاع المصرفي بالعملة الأجنبية.

وأوضح أنه نتيجة هذا العجز تعرضت أربعة من أكبر البنوك المصرية لتخفيض تصنيفها الائتماني درجة، بعد تخفيض تصنيف مصر من مستقرة إلى سلبية.

وقال إن خطورة تخفيض تصنيف البنوك تكمن في أنها تعني تعثرها في سداد التزاماتها من ودائع الأشخاص والقروض الملتزمة بسدادها، وهذا بالتالي يتسبب في فقدان ثقة المستثمرين في شراء سندات أو أذون خزانة وهم يدركون عدم امتلاكك للسيولة الكافية.

سبب آخر يدفع أبو المجد للتشكيك في عدم قدرة البنوك المصرية على سداد التزامتها بالدولار، وهو أن إجمالي الدين العام بالنسبة للناتج المحلي ارتفع ليصل إلى 97.7 في المئة، وهذا يعني أن الدولة المصرية غير قادرة على مواجهة الأزمات والتحديات ومن الممكن أن تتعثر في سداد الديون، موضحا أن الناتج المحلي هو مؤشر قوة الاقتصاد الذي ينظر إليه المستثمرون والجهات الدولية.

وتحدث أبو المجد عن تخوف آخر بالنسبة للشهادة ذات العائد السنوي 9 في المئة، الذي يصرف تراكميا بنسبة 27 بالمئة مقدما بالعملة المحلية، موضحا أن هذا يعني بشكل كبير أن الحكومة ستطبع المزيد من الجنيه، وهذا يعني زيادة التضخم وبالتالي خفض قيمة الجنيه.

توقعات بتعويم جديد قادم
ومن جانبه قال الخبير المصرفي وأستاذ الاقتصاد بجامعة دورتموند الألمانية، كريم خيري، لموقع “الحرة” إن إصدار البنوك المصرية شهادات دولارية بفائدة تصل إلى 7 و9 في المئة على الدولار “انتحار ودليل على حجم الأزمة الاقتصادية”، مؤكدا أن هذا يعني حدوث خفض جديد للجنيه في الفترة المقبلة.

وأضاف أن قرار البنوك المصرية بطرح شهادات بعائد تراكمي يُصرَف مقدماً يأتي قبل أسبوع واحد من الاجتماع الخامس، العام الجاري، للجنة السياسة النقدية في مصر لمناقشة أسعار الفائدة، في وقتٍ رفع فيه الاحتياطي الفيدرالي الأميركي الفائدة، الأربعاء، بواقع 25 نقطة مئوية إلى نطاق 5.25 في المئة-5.5 في المئة.

وتابع أن الحكومة تحاول الإسراع بجذب أكبر كمية من الدولارات من الأسواق قبل حدوث التعويم الجديد للجنيه، لتجنب مخاطر عدم تسديد الديون السيادية، وبالتالي إعلان الإفلاس وتكرار سيناريو لبنان.

وأوضح أن هذه الدولارات التي يتم جمعها من المصريين ستستخدم لدفع الديون أولا، ثم تسديد الأموال الساخنة ثانيا، وفي النهاية تأتي لتسديد ودائع العملاء المصريين، وبالتالي ليس معروفا كيف ستردها الحكومة بعد ذلك للعملاء المصريين، خاصة في ظل عدم تواجد مشاريع اقتصادية مربحة وذات عوائد في مصر حاليا.

وأشار إلى أن المشكلة الرئيسية في مصر هو عدم امتلاكها عائدات بالدولار لتسديد ديونها، كما أن الحكومة تسير في دائرة مغلقة تتمثل في اقتراض دين قصير جديد لتسديد دين سابق طويل الأجل.

وشكك الخبير المصرفي في نجاح الخطة الحكومية بجمع السيولة الدولارية من السوق السوداء، موضحا أن القرارات الأخيرة تعني أن سعر عائد الإيداع في مصر على الدولار 27 في المئة، بينما سعر العائد على الدولار في البنوك الأميركية 5.25 في المئة، كما أن سعر الدولار الرسمي في البنك المركزي المصري 30.95 جنيه بينما بلغ سعره في السوق السوداء حوالي 40 جنيها، بفارق حوالي 30 في المئة، وهذه النسبة أعلى من عائد الشهادات المطروحة في البنوك.

وأشار إلى أنه لدى الكثيرين تخوفات من أن متخذي القرار في مصر يعملون بمبدأ “احييني النهاردة وموتني بكرة”، بمعنى أن “هذا القرار غير مدروسة عواقبه جيدا، وهذه الصورة تصل إلى المصريين وبالتالي المستثمرين”.(الحرة)

شارك الخبر: