المنصة الجديدة… تحرير سعر الصرف وفك تقييد الإحتياطي الإلزامي
تنتهي في 31 تموز الجاري ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لتبدأ معها مرحلة جديدة تبدو ملامحها غامضة حتى الساعة وسط مطالبات البعض بالذهاب الى تعيين حاكم جديد، في حين أن البعض الاخر يستند إلى قانون النقد والتسليف (المادة 25 منه) التي تقول “بحال شغور منصب الحاكم، يتولى نائب الحاكم الأول مهام الحاكم ريثما يُعين حاكم جديد”، ولذلك يعتبر هؤلاء أن استقالة نواب الحاكم الأربعة لن تقدم أو تؤخر، لأن وزير المال أو رئيس الحكومة يمكن أن يطلب منهم تسيير مرفق عام وهذا يعني البقاء في عملهم.
أمس انتهى جتماع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي مع نواب الحاكم الأربعة وسيم منصوري، بشير يقظان، سليم شاهين وألكسندر مراديان ، إلى نتائج ايجابية،وتم إعطاؤهم مهلة 48 ساعة لان يعودوا مع أجوبة.
لقد طلب نواب الحاكم من الحكومة توفير الغطاء القانوني الذي يسمح لهم بإقراض الحكومة من مصرف لبنان في سبيل التمكن من الإنفاق الحكومي الضروري والملح (رواتب، ادوية…) كما والتدخل في سوق القطع لاستقرار سعر الصرف. ولذا قرر مجلس الوزراء استطلاع رأي الجهات القضائية المختصة ليصار في ضوئه الإجتماع مجدداً مع نواب الحاكم لتقييّم الوضع. وسط ترجيح مصادر مطلعة لـ”لبنان24” ان نواب الحاكم الاربعة لو استقالوا، فإنهم سيقومون بتصريف الأعمال بالتعاون مع الحكومة.
يعتبر نواب الحاكم أنهم قدموا خطة عمل إصلاحية مع برنامج عمل واضح، والهدف من خطتهم تحرير سعر الصرف ابتداء من شهر آب المقبل وتشريع استخدام الاحتياطي الإلزامي والاستغناء عن منصة صيرفة والذهاب الى إنشاء منصة جديدة، بالتعاون إما مع وكالة “بلومبيرغ” العالمية، أو “رفينيتف “.
وفق نائب رئيس مجلس الوزراء سعادة الشامي، فإن بيان نواب الحاكم منسجم مع خطة الحكومة وما طالب به نواب الحاكم سبق وطالبت الحكومة به، لكن الأكيد والأهم بالنسبة إلى الشامي أن موضوع توقف منصة صيرفة يجب أن لا يطرح بالاعلام وإذا حصل فسيحصل تدريجياً وبشكل منظّم كي لا يتأثّر به السوق بشكل كبير.
لا شك أن مصرف لبنان عمل، مع تفاقم حجم الأزمة الإقتصادية والمالية، على التعاطي مع الأسواق المالية بطريقة تقليدية هادفاً الى ضبط تدهور سعر الصرف ومراهناً أحياناً على النظام المصرفي وأحياناً على شركات الصيرفة المرخصة للمساعدة في ضبط السوق. ورغم ذلك بقيت السوق المالية في حالة اضطراب وبقي سعر الصرف يتدهور والليرة اللبنانية تخسر من قيمتها الشرائية في ظل إنعدام الثقة بالكامل بالقطاع المصرفي ومشاركة بعض شركات الصيرفة في عمليات المضاربة. لذلك كان لا بد من إجراء غير إعتيادي يستطيع من خلاله مصرف لبنان أن يعود الى السوق متحكماً، يقول الخبير المالي والاقتصادي بلال علامة لـ”لبنان24″، فكانت فكرة منصة صيرفة التي بدأ الإعداد لها عام 2020، وأطلق العمل بها في ايار 2021، بموجب تعميم أساسي عن مصرف لبنان يحمل الرقم 157، حيث ألزم التعميم المصارف كافة التسجيل على المنصة، متيحاً لها حرية التداول، بحيث تجري عمليات الصرافة لزبائنها وتسجلها على المنصة وفق سعر الصرف المحدد من المصرف المركزي.
عملياً أتاح مصرف لبنان عبر هذه المنصة، بحسب علامة، شراء الدولارات من المصارف بسعر أدنى من المعروض في “السوق الموازية”، وكان الهدف من ذلك التحكم في القفزات الكبيرة التي كان يسجلها سعر صرف الدولار مقابل انهيارات الليرة اللبنانية من جهة، وتأمين حد معين من الدعم للتجار والمستوردين والشركات الكبرى الذين كانوا يحصّلون حاجاتهم من العملة الصعبة من السوق الموازية ما شكل زيادة كبيرة في الطلب على الدولار ورفع سعر صرفه.
سعى المصرف المركزي من خلال صيرفة إلى حصر التداول بالدولار على منصة رسمية واحدة، بهدف إعادة تنظيم السوق الذي كانت تقوده المضاربات والتلاعب من قبل الصرافين (المرخصين وغير المرخصين)،ما انعكس في مراحل معينة تقلّبات حادة في أسعار الصرف ونتائج كارثية على الإقتصاد اللبناني.
لعبت “صيرفة” دورا آخر، من خلال التعميم 161، الذي صدر في كانون الاول 2021، وينصّ على دفع المصارف لعملائها السحوبات النقدية التي يحق لهم سحبها، وفق سعر الصرف على منصة صيرفة.
وكان موظفو القطاع العام الذين أتيح لهم قبض رواتبهم بالدولار المستفيد الأبرز ، وذلك في سياق تمويل مصرف لبنان للنفقات التشغيلية للدولة اللبنانية، التي كانت تسعى للمحافظة على القدرة الشرائية للموظفين من خلال مدهم بالدولارات، فيما هدف مصرف لبنان،في المقابل، كما يقول علامة، إلى ضخ مزيد من الدولارات في الأسواق، وسحب كميات كبيرة من الليرة اللبنانية المتضخمة بفعل طباعة العملة المستمرة.
إن فارق السعر ما بين الدولار المعروض على “صيرفة”، وسعر الصرف في السوق الموازية حول فكرة “صيرفة” شكل، بحسب قراءة علامة، أداة للربح السريع لدى شريحة واسعة من اللبنانيين، وعلى رأسهم التجار والمستوردون والمتمولون الذين أتيح لهم وصول غير محدود إلى المنصة، فضلا عن الأفراد الذين استفادوا من “الكوتا” المتاحة لهم، بحيث كان يتم شراء الدولارات من صيرفة بسعر منخفض ثم استبدالها من السوق الموازية بالليرة على سعر صرف مرتفع وتحقيق الأرباح من الفارق.
من هنا أخذ على آلية عمل منصة “صيرفة” أنها تفتقد للشفافية وأنها تعمل وفق أسس زبائنية لسترضي من خلال بعض العمليات الطبقة السياسية وكارتيلات المصارف وأصحاب النفوذ، يقول علامة، ومع اقتراب إنتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وفي الاجتماعات المتتالية مع مسؤولين رسميين اقترح نواب حاكم مصرف لبنان المركزي في وثيقة إلغاء ربط الليرة اللبنانية بالدولار الأميركي المعمول به منذ فترة طويلة، والتحول إلى تحرير “مُدار” لسعر الصرف بحلول نهاية ايلول المقبل.
وانطلاقاً مما ذكر، فإن إقتراح نواب الحاكم يقضي بإلغاء منصة “صيرفة” وإنشاء منصة إلكترونية جديدة بمساعدة من إحدى الوكالات المالية العالمية تحديداً بلومبرغ أو رفينيتف أو ربما غيرهما .هذه العملية برأيهم تتيح إعادة سوق القطع الى عملها السابق وتتيح إعادة إدخال المصارف في لعبة ضبط السوق بكل شفافية ، لأن من شأن ذلك أن يعيد إحياء غرفة التحكم بأعمال القطع التي ستعمل على ترك سعر الصرف يتمدد بحرية بعيداً عن آليات التحكم وتحديد السعر وغيرها من أساليب لا تتناسب مع عمل السوق الحرة.
قد يخسر موظفو القطاع العام المنافع التي وفرتهم لها منصة صيرفة وقد يصل الأمر بالمنصة الجديدة، كما يقول علامة، الى فك فكرة تقييد الإحتياطي الإلزامي والتصرف بما يوفره من مبالغ لقاء تأمين التوازن المالي للسوق وتمويل مصاريف الدولة التشغيلية.
وبينما يشكل خبر التوجه للتخلي عن منصة صيرفة بارقة أمل لكثير من الطامحين لتوحيد سعر الصرف وتحريره من أجل وقف النزيف الحاصل في احتياطات مصرف لبنان، يخشى آخرون من الآثار المالية المترتبة عن إمكانية التخلي عن المنصة، خاصة وأنها الضابط الوحيد لسعر الدولار.
وعليه، ووسط حالة تعقيدات النصوص القانونية وآليات التطبيق يبقى دائماً بصيص أمل يتمثل بما يسمى البدع القانونية. فمنصة “صيرفة”، بحسب علامة يمكن وصفها بالـ “بدعة” في العمل المالي والمصرفي في لبنان ولكنها ربما كانت بدعة حسنة.