أسواق السلع المستعملة تزدهر قبل فصل الشتاء… لهذه الاسباب
تشهد الأسواق في الآونة الأخيرة ازدهاراً لسوق السلع المستعملة، بعد ضغوطات اقتصادية متتالية يعاني منها العالم، لينصب اهتمام الكثيرين تزامناً مع اقتراب حلول موسم الشتاء على شراء ملابسهم الشتوية والسلع ذات الصلة بأسعار منخفضة من خلال سوق المستعمل.
ونمت سوق السلع المستعملة بشكل كبير، بعد أن ضرب ارتفاع معدلات التضخم العالم، إضافة إلى تبعات الحرب في أوكرانيا على الاقتصاد العالمي.
بحسب تقديرات منصة إعادة البيع عبر الإنترنت ThredUp فإنه من المتوقع أن تتضاعف سوق الملابس المستعملة عالمياً تقريباً بحلول العام 2027.
يتوقع أن يصل حجم السوق إلى 350 مليار دولار بعد أربع سنوات، في وقت تقوم فيه الشركات بتكييف المزيد من نماذج الأعمال الدائرية، كما أصبح المستهلكون أكثر وعياً بالبيئة.
بالنسبة لسوق الملابس المستعملة، يُرجح نموها عالمياً ثلاث مرات في المتوسط.
ويشار إلى أن السلع المستعملة شهدت نمواً قوياً في العام الماضي، بنسبة 28 بالمئة، لتصل إلى 177 مليار دولار. وبحلول العام 2024، من المتوقع أن يتكون 10 بالمئة من سوق الملابس العالمي من الملابس المستعملة. كما أنه من المتوقع أن تصل تلك السوق في الولايات المتحدة إلى 70 مليار دولار بحلول العام 2027.
ولم تكن الأسواق في عديد من البلدان العربية ببعيدة عن تلك التطورات التي تشهدها “أسواق المستعمل”، ولنفس الأسباب المرتبطة بالضغوطات التضخمية وآثارها الوخيمة.
وكان صندوق النقد الدولي، قد أبقى على توقعاته بتحسن النشاط الاقتصادي في المنطقة خلال العام المقبل، مع بلوغ النمو 3.4 بالمئة دون تغيير عن تقديراته السابقة في أبريل، لكنه أشار إلى أن مستويات النمو ستظل على المدى المتوسط دون متوسطها التاريخي فيما قبل الجائحة.
دوافع للشراء من سوق المستعمل
في السياق، أفاد المحلل الاقتصادي الأردني، حسام عايش، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، بأن سوق المستعمل مزدهرة بالطبع وقد أصبحت سوقاً عالمية تتسع ويتزايد نشاطها، مشيراً إلى أن التقديرات تشير إلى أن سوق الملابس المستعملة عالمياً باتت تتراوح بين 10 إلى 15 بالمئة من مبيعات الملابس بشكل عام.
وحدد عدداً من العوامل الأساسية التي دفعت الكثيرين للشراء من سوق المستعمل خاصة مع اقتراب فصل الشتاء، وأبرز تلك العوامل:
فصل الشتاء بمثابة فرصة ذهبية للبحث عن شراء السلع خاصة الملابس الشتوية المناسبة التي تسهم وتحسن من كفاءة الحصول على الدفء والحرارة، خصوصاً أن قسماً كبيراً من الملابس المستعملة يأتي من دول خارجية، كالولايات المتحدة الأميركية وأوروبا، التي تتصف بأن ملابس الشتاء فيها مصنعة لتقاوم أسوأ الحالات المناخية والانخفاض في درجات الحرارة، لذا فإن التوجه نحو سوق السلع والملابس المستعملة في فصل الشتاء يوفر لدى البعض فرصاً للحصول على ملابس مواتية على مستوى الشكل والموضة، وكذلك مواجهة أدنى درجات الحرارة المتوقعة في فصل الشتاء.
هناك تباين كبير بأسعار ملابس الشتاء المستعملة والجديدة، وهو قد يصل إلى 80 بالمئة من السعر بالسوق التقليدي، وبالتالي فإنه من المجدي على مستوى الإنفاق على اقتصاديات الشتاء أن يتم الانتباه إلى أن الإنفاق على الملابس المستعملة سيوفر المزيد التكاليف التي يمكن أن تدفع كثمن للحصول على ملابس شتوية جديدة.
هناك شعور عام بأن ما يعرض من ملابس مستعملة بعضها قد يكون ليس مستعملاً وتم استخدامه من قبل آخرين ولكنه يباع في هذا السوق لأن فيه عيباً مصنعيا ما، فبدلا من اتلافه يتم تصديره إلى دولا أخرى لا تهتم كثيرا بالموضة فيما يتعلق بالملابس الشتوية أو ما يتعلق بالعيوب المصنعية (فيما يعرف بأسواق البالة).
هناك صناعة كبيرة للملابس المستعملة وهناك تسويقاً لها عبر وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت، ما يسهل الوصول إليها وأيضا هذا يقلل من تكاليف الإنفاق والتنقل من وإلى المحلات التجارية.
سوق المستعمل زاخرة بالمقاسات التي تناسب مختلف الأحجام والمقاسات للجنسين وبكل الفئات العمرية، وهي لا تقتصر فقط على الملابس لكنها تشمل الأحذية والإكسسوارات اللازمة لفصل الشتاء.
وأكد المحلل الاقتصادي الأردني، أن معدلات النمو الاقتصادي لم تعد قادرة على توليد معدلات دخل للأسر والأفراد تتناسب مع معدلات التضخم وارتفاعها وزيادة التكلفة على الناس، حيث تعتبر سوق السلع المستعملة مصدر جذب لأصحاب الدخول المتوسطة والمنخفضة، وذلك لا يعني أن أصحاب الدخول المرتفعة والطبقة الغنية لا يذهبون إلى هذه السوق باحثين عن فرصة لشراء احتياجات قد تكون تتمتع بجودة عالية من ماركات عالمية مشهورة لكنها تباع ضمن السلع المستعملة.
“المستعمل” والحفاظ على البيئة
ونوه إلى أن هناك اعتباراً آخر أدى إلى نمو سوق المستعمل، وهو يتعلق بالحفاظ على البيئة، موضحاً أن الازدهار لتجارة السلع المستعملة وما يتطلب في فصل الشتاء خاصة الملابس فيه نوع من التقليل لإنتاج سلع جديدة ما يقلل من الانبعاثات الكربونية وبالتالي فإن إحدى أشكال التغيرات المناخية والتقليل من الانبعاث الكربوني، مؤكدًا أن هذا التدوير في الاستهلاك والاستخدام له آثارا بيئية إيجابية.
وفي هذا السياق، يشار إلى أن تقرير ThredUp المشار إليه، كان قد وضع الأسباب البيئية ضمن أبرز الأسباب الدافعة إلى نمو سوق المستعمل، وشرح كيف يقلل شراء الملابس المستعملة من التأثير البيئي لشراء الأزياء، وأن ارتداء الملابس المستعملة بدلاً من الملابس الجديدة يقلل من انبعاثات الكربون بمعدل 25 بالمئة، لا سيما أن إعادة البيع لديها أيضاً القدرة على خفض إنتاج الملابس الجديدة. ويميل كثير من الشباب إلى هذا الاتجاه في الآونة الأخيرة.
تغطية الاحتياجات بأقل تكلفة
من جانبه، أكد أستاذ الاقتصاد، الدكتور علي الإدريسي، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد
سكاي نيوز عربية”، أن الأزمة الاقتصادية التي تعيشها المجتمعات أثرت بشكل كبير على أسعار السلع الجديدة؛ ما دفع كثيراً من المواطنين للتوجه إلى شراء السلع المستعملة في محاولة منهم لسد احتياجاتهم في نفس الوقت بتكلفة أقل.
وأرجع توجه الكثيرين نحو شراء السلع المستعملة إلى الارتفاعات الكبيرة في الأسعار خاصة في ظل نقص المعروض نتيجة نقص مستلزمات الإنتاج، إضافة إلى الارتفاعات المتتالية في سعر الدولار مقابل العملة المحلية، خاصة وأن الاعتماد عادة يكون على استيراد تلك السلع من الخارج مقابل العملة الصعبة، مشيراً إلى أنه على سبيل المثال وصلت قيمة الدولار إلى ما يصل إلى 45 جنيهاً في السوق السوداء، بينما بالنسبة للعقود الآجلة تخطى سعره 45 جنيهاً، وهو ما أثر على أسعار السلع.
وعبر أستاذ الاقتصاد الدكتور علي الإدريسي عن أسفه لانتشار السوق الموازية خاصة أسواق بيع الأجهزة الكهربائية، فبعض التجار يقومون بتخزين الأجهزة ويستغلون الأزمة برفع الأسعار، وهو ما يتطلب جهدًا أكبر من الجهات المسؤولة في الدولة للرقابة على السوق، مؤكدًا أن استخدام الممارسات الاحتكارية وتقديم أسعار مبالغ فيها يجعل هناك تباينًا كبيرًا في الأسعار بين تاجر وآخر.
كما تزدهر أسواق السلع المستعملة، لا سيما فيما يتعلق بالملابس، ومع حلول فصل الشتاء، وخاصة مع ارتفاع أسعار الملابس الشتوية. وبحسب الإدريسي، فإن:
المواطنون عادة ما يلجأون إلى شراء السلع الأرخص خاصة السلع الأساسية، بهدف تغطية احتياجاتهم بأقل تكلفة سواء عن طريق سلع مستعملة أو فرز ثاني أو محلات الجملة.
فروق الأسعار عادة ما تكون كبيرة بين السوقين… ومع تزايد الضغوط التضخمية فإن الطبقات الاجتماعية أصبحت مضغوطة وبالأخص الطبقة الاجتماعية المتوسطة التي تعاني في الفترة الحالية.
الدول حينما تطبق برامج حماية الطبقات الاجتماعية تخصص للطبقات الفقيرة ومحدودي الدخل، في حين أن الطبقات المتوسطة لا يوجه لها أي نوع من أنواع الدعم والحماية الاجتماعية، وبالتالي يتم الضغط عليها نتيجة ارتفاعات معدلات التضخم وانخفاض القوة الشرائية، فتلجأ إلى ترتيب أولوياتها والعمل على شراء سلع مستعملة.
وقال صندوق النقد الدولي، في أكتوبر، إنه رغم انحسار التضخم فإنه يظل مرتفعا في عدد من البلدان مثل مصر والسودان، إذ تشير توقعات الصندوق إلى بلوغ متوسط التضخم ذروته مسجلا 17.5 بالمئة، وهو المعدل الذي يعكس جزئيا ارتفاع التضخم في عدد قليل من الاقتصادات، حيث يبلغ 13.4 بالمئة فقط إذا تم استثناء مصر والسودان.
موجة تضخمية غير مسبوقة
فيما أوضح الخبير الاقتصادي المغربي،
محمد جدري، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أن العالم يعيش موجة تضخمية غير مسبوقة أثرت بشكل كبير على القدرة الشرائية للمواطن، خاصة لدى ذوي الدخل المحدود والطبقة المتوسطة، مشيرًا إلى أن أسعار السلع، بما في ذلك ملابس الشتاء، باتت في غير متناول فئات عريضة من المجتمع.
وقال إن معدلات التضخم وصلت لمستويات قياسية دون الزيادة في أجور مجموع من المهن، ودون تعديلات ضريبية فيما يتعلق بالضرائب على الدخل لمجموعة من الأسر في كثير من البلدان، لافتاً إلى أن الفئات المجتمعية وجدت نفسها أمام حالة من الغلاء غير المسبوق في مجموعة كبيرة من السلع المهمة.
وأشار إلى أن هناك انخفاضاً كبيراً في اقتناء السلع الرئيسية، ووصل الأمر إلى أن الأسر من ذوي الدخل المحدود والطبقة المتوسطة أصبحت تلجأ إلى سوق استهلاك الملابس المستعملة لأن سعرها في المتناول مقارنة بأسعار الجديدة، قائلا إن كل هذه الأمور طبيعية خاصة وأننا مقبلين على فصل الشتاء في ظل تأثر القدرات الشرائية للمواطنين بشكل كبير.
أغلب الأسر باتت تكمل الشهر بشق الأنفس، بعد ارتفاع أسعار السكن والنقل والمأكل والملبس والفواتير الشهرية، إضافة إلى الكماليات وكل ما يتعلق بشراء الملابس.
هناك شتاء قادم والأسر مضطرة لشراء المستعمل لتفي بالغرض على أمل تحسن القدرات وشراء الجديد خلال الأشهر المقبلة. (
سكاي نيوز)