اقتصاد

تقرير “الفاريز” ناقص.. والخطر يكمن في “اقتصاد الكاش”

23 أيلول, 2023

لا شك أن تقرير التدقيق الجنائي الذي اجرته شركة “الفاريز اند مارسال” أظهر ان كلفة الهندسات المالية بلغت 76 مليار دولار لكن مصرف لبنان وكما ورد في الصفحة 88 من التقرير تحدث فقط عن 56 ملياراً ، وليس بعيداً يظن البعض أن مصرف لبنان اطاح بنحو 57.9 مليار دولار من أموال المودعين الموجودة بحوزته، وجاء ذلك بالتزامن مع الهندسات الماليّة.

ويفصّل الخبير المالي والمصرفي نديم السبع لـ”لبنان24″ الـ 76.6 مليار دولار التي أوردها تقرير “الفاريز اند مارسال” بالتالي: هناك ما يقارب ال 8.5 مليار و 4 مليار تقريبا من اليوروبوندز في مصرف لبنان . 47.5 مليار دولار ما صرفته الحكومة اللبنانية اخر عشر سنوات. 16.5 مليار دولار كلفة الخسائر التي تكبدها مصرف لبنان نتيجة اقراضه الدولة بالتوازي مع فارق سعر الصرف.

ومع ذلك لا يمكن القول، وفق السبع، إن شركة” الفاريز” اضاعت البوصلة ، لكن التقرير الاولي الذي اصدرته كان ناقصاً حيث أنها حصرت تدقيقها بين الاعوام 2015 و2020 في حين انه كان يفترض بها أن تعود إلى العام 1992، مع تأكيد السبع أن المواطن اللبناني استفاد من الهندسات المالية التي دعمت الاستهلاك في لبنان من خلال تثبيت سعر الصرف على 1500 ليرة، فضلا عن بعض المصارف التي استقطبت الدولارات من كبار المودعين في افريقيا واميركا واستراليا والخليج وكبار المودعين الذين وضعوا دولاراتهم في المصارف بهدف تحويلها إلى الخارج بفوائد كبيرة.

لقد أظهر التقرير الذي أصدرته شركة “الفاريز” كنتيجة للتدقيق الجنائي في حسابات المصرف المركزي بحسب الخبير المالي بلال علامة لـ”لبنان24″ ، أن كل ما تضمنه هو وصفي وليس إجرائيا. فالتدقيق كان استنسابيا إذ أنه سلط الضوء على أرقام لكنه أغفل أرقاماً أخرى. فقد تضمن التقرير عرضاً لحالة الهندسات المالية التي نفذت ما بين العامين 2015 و2020 وأبرز ارقاماً وصلت إلى 115 تريليون ليرة أي ما بعادل 76مليار دولار على أساس سعر صرف الـ 1500 ليرة للدولار ولكنه تجاهل طرح أسماء المستفيدين وتفصيل العمليات المنفذة مما يدفع للتساؤل عن صحة الرقم المذكور في التقرير.

ولذلك من المؤكد أن الهندسات المالية التي نفذت، كما يقول علامة، كانت حاجة وضرورة لتتماهى مع السياسة النقدية المطبقة يومذاك وحظيت برضى المسؤولين السياسيين في ذلك الحين وهي لم تضر المصارف لا بل ساعدت في رفع أرباحها وميزانياتها.

إن الضرر الذي الحق بالمصارف هو نتيجة تثبيت سعر صرف العملة وعدم انتظام العمل السياسي والمالي والنقدي والقضائي، فالهندسة المالية، كما يقول السبع، ليست وحدها من ألحق الضرر بالمصارف، فهي أتت بعد سياسة نقدية تجاوز عمرها عشرات السنوات وهي عبارة عن فوضى في غياب الموازنات وقطع الحساب، مع إشارته إلى أن مصرف لبنان وجد نفسه في السنوات الأخيرة أمام خيارات تتراوح بين السيء والأسوأ، فإما أن تنهار الليرة (عام 2016) أو يذهب إلى وضع الهندسات المالية، ولذلك يمكن القول إن المصارف اليوم لا تلعب دورها الائتماني، فعدم إيجاد الحلول للقطاع المصرفي دفع إلى عدم الثقة بهذا القطاع سواء من المودعين أو من المؤسسات التجارية لتنجز عملياتها عبر المصارف.

وعليه يبدو، بحسب السبع، أن “اقتصاد الكاش” سيستمر إلى المدى الطويل، فهناك عمليات تبييض اموال وتمويل لمنظمات وغير منظمات بطريقة غير شرعية، الأمر الذي يضع لبنان في القائمة السوداء، إلا أن المفيد أن السياسة لعبت دورها في هذا الشأن ونجحت في السابق من تجنيب لبنان هذه المعضلة، خصوصا وأن تصنيفا كهذا سيؤدي إلى توقف بعض عمليات “سويفت” والتحويلات من لبنان.

ولذلك لا يمكن الاستهانة بتصنيف كهذا لأن المصارف العالمية لن تقبل تحت أي ذريعة أو حجة أن تتعامل مع لبنان في ضوء تصنيفات رمادية أو سوداء، مع الاشارة إلى أن تعميم حاكم مصرف لبنان 165 الذي أصدره الحاكم السابق رياض سلامة ساهم في الحد من عمليات “الكاش” وأصدر بطاقات “فريش”، فيما يحاول اليوم البنك المركزي التخفيف من حدة الاقتصاد “الكاش”لتجنب الكأس المرة.

وعليه، فإن المصارف المراسلة وضعت استثناء للتعامل مع لبنان، لكن استمرار تعاونها مع لبنان هو رهن تصنيفه من قبل مجموعة العمل الدولية التي ستجتمع في الأسابيع المقبلة، فتصنيفه في الخانة الرمادية من شأنه أن يؤدي، بحسب السبع، إلى ارتفاع في تكاليف التحاويل وتدقيق بالتحويلات، وبالتالي قطع أي تعامل مع لبنان. ولذلك لا بد من الحد من “اقتصاد الكاش” عبر انتظام العمل المصرفي في لبنان وعودة اللبنانيين إلى التعامل مع المصارف التي عليها تقديم الخدمات المصرفية وعدم حصرها بالتعاميم التي تصدر عن الحاكمية.

لكن ما يدعو، بحسب علامة، إلى الاستغراب وطرح التساؤلات هو أن عدداً من الشركات المالية من الشخصيات شكلت كارتيلا كبيرا للحصول على أموال وارباح سريعة من دون عناء، لكن “شركة الفاريز اند مارسال” تجاهلت ذلك. وعليه من المؤكد أن ما حصل ترك أثراً كبير على بنية الدورة المالية وعلى توزيع الثروة وعلى المصارف ووضعياتها، والخلل الذي حصل من الصعب تجاوزه بسهولة وقد يؤدي إلى مزيد من التخفيض للتصنيف الائتماني للبنان مع احتمال إدراجه على اللائحة الرمادية إذا لم تقر الإصلاحات الهيكلية التي تعنى بالقطاع المالي اللبناني.

شارك الخبر: