البدائل قليلة جداً… هل الحرب بين الصين وتايوان حتميّة؟
ذكر تقرير لمجلة “ناشونال إنتريست” أنه في خضم تصاعد التوترات في منطقة المحيط الهادئ، باتت التهديدات الأمنية تمثل محوراً رئيسياً في السياسات الدفاعية للعديد من الدول.
واستدعت تلك التوترات تحذيرات من خبراء عسكريين، لتسليط الضوء على ضرورة استعداد تايوان لمواجهة محتملة مع الصين.
ويقول الخبير العسكري الأميركي الدكتور جيمس هولمز، إن خبير الاقتصاد نواه سميث يشير إلى مقولة شائعة يتم تداولها بين المراقبين للصين في الآونة الأخيرة مفادها أنه “إذا سافرت إلى الصين، ستدرك أن الصين لا تريد حربا في مضيق تايوان، أو في أي مكان آخر”. ويعتبر هذا نوع من الحجة من السلطة أو كما يسميها سميث، حجة قائمة على السياحة.
ويقول هولمز إنه على الرغم من أنه لا يتفق تماماً مع طرح نواه سميث، فقد اطلع على أشكال مختلفة من نفس الرواية في الأشهر الأخيرة. ويزعم بعض من يروجون لهذه الفكرة، مثل محاوري سميث، أن الصين لا تريد الحرب. وبالتالي، فإنهم يلمحون إلى أنه يجب علينا جميعاً أن نتنفس الصعداء ونوقف استعداداتنا للقتال في المحيط الهادئ. ويرى آخرون أن الصين تحولت إلى عملاق صناعي وعسكري لدرجة أنه لا يمكن لأي شاهد عيان أن يفكر في معارضتها، ومن ثم يجب التنازل عن الأمل.
ويرى هولمز أن القاسم المشترك بين هذه الحجج القائمة على السلطة خلاصتها هي: لا تتحرك، وليس عليك، أو لا يمكنك، معارضة إرادة الصين.
ويقول هولمز إنه في النهاية، يحب الغزاة الذي يتسمون بالطموح السلام، فهم يرغبون في الانتصار دون قتال. إنهم يتوقون لإرهاب خصومهم وإجبارهم على الاستسلام، مما يدفعهم إلى إلقاء أسلحتهم دون مقاومة. وبذلك يجنبون أنفسهم الخراب والعواقب غير المقصودة المتأصلة في ضجيج الأسلحة. ويضيف أن هذا الأسلوب في التعامل متأصل في الثقافة الاستراتيجية الصينية منذ العصور القديمة، ويمكن الاستشهاد على ذلك بالرجوع لكتابات سون تزو، أو الحكيم العسكري الغربي كارل فون كلاوزفيتز.
وكتب كلاوزفيتز، الذي شارك في المعارك ضد نابليون بونابرت: “المعتدي دائماً ما يكون محباً للسلام (كما كان بونابرت يدعي دوما)، فهو يفضل أن يستولي على بلدنا دون معارضة”.
والخلاصة هي من أجل منع المعتدي من الانتصار دون إطلاق رصاصة واحدة، “يجب أن يكون المرء مستعداً للحرب ومهيئاً لها. بمعنى آخر، يجب أن يكون الضعفاء، الذين من المحتمل أن يحتاجوا إلى الدفاع، مسلحين دائماً حتى لا يتم اجتياحهم. هكذا يقرر فن الحرب”.
ويقول هولمز إنه استناداً إلى فن الحرب، يجب على تايوان وأصدقائها الإسراع بتسليح أنفسهم فورا حتى لا يعاني سكان الجزيرة المحبة للحرية من مصير يماثل مصير نابليون. ونادراً ما يتحدث المسؤولون الكبار بهذه الصراحة.
وكان وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، محقاً عندما قال أمام حوار شانغريلا مؤخراً إن الحرب مع الصين ليست وشيكة ويمكن تجنبها.
وهذا يأتي كنوع من الراحة الباردة. وقد لا يستمتع كبار مسؤولي الحزب الشيوعي الصيني بالحرب، ولكن هذا لا يعني أنهم مستعدون للتخلي عن أهدافهم أو تأجيلها إلى أجل غير مسمى من أجل السلام الإقليمي، بل النقيض تماماً. لقد أوضح قادة الحزب الشيوعي الصيني بشكل واضح أنهم سيلجؤون للقوة إذا رأوا ذلك مناسباً. وبعيداً عن ذلك، هم يتبعون سياسات واستراتيجيات شبيهة بالحرب على مدار الساعة، وبناء على منطق أن السياسة في زمن السلم هي حرب بدون سفك دماء.
واعتبر هولمز أن أي استراتيجية قائمة على حسن نية الشيوعيين محكوم عليها بالفشل. ولن تتراجع الصين في مضيق تايوان. ويجب على أمريكا وحلفائها وشركائها ردع بكين من خلال تنفيذ عروض موحدة ومقنعة للقوة والإصرار يوماً بعد آخر.
ومعلقو الدفاع أكثر صراحة من المسؤولين في بعض الأحيان. ويلمح رئيس تحرير العلوم والتكنولوجيا لدى موقع “ديفينس وان” باتريك تاكر، إلى كيفية عمل استراتيجية الصين، للانتصار دون قتال. وقد أحدث تنصيب ويليام لاي، الرئيس الجديد للحزب التقدمي الديمقراطي في تايوان، تحركاً عسكرياً جديداً من بكين. وبعد التنصيب، انتشرت سفن وطائرات حربية للجيش الصيني حول مياه تايوان لمدة يومين، في تدريبات حملت اسم “السيف المشترك 2024”.
وقالت السلطات الصينية إن المناورات قدمت “عقوبة قوية” لـ “الأعمال الانفصالية” من قبل القيادة في تايبيه. ووفقاً لتاكر، اقنعت بكين نفسها بأنها قادرة على ترويع الجزيرة المتعثرة من خلال سلوك متسلط تدعمه عروض للقوة البحرية والعسكرية.
ويقول هولمز إن الافتراض هو أن حكومة تايوان ومجتمعها وقواتها المسلحة ستفضل الاستسلام لمحاولات الإغراء الصينية الساحقة بدلاً من القتال ضد ظروف مرعبة للحفاظ على سيادتها الفعلية.
وبمعنى آخر، يعتقد القادة في الصين أن أداء ألعاب تعتمد على الذكاء مع قادة تايوان يمكن أن يحقق هدفهم الأكثر تقديراً، وهو السيطرة على الجزيرة، دون إطلاق رصاصة واحدة. وإذا حدث ذلك، فإن الصين الشيوعية ستكون قد وصلت إلى قمة التميز الاستراتيجي، محققة أهدافها بأقل تكلفة وخطر وردة فعل دبلوماسية واقتصادية.
ولكن قيادة الحزب الشيوعي الصيني لديها مشكلة، وعلى وجه التحديد، يبدو أن القيادة ليس لديها فكرة تذكر عن كيفية تحقيق الاستسلام من جانب تايوان دون إطلاق العنان للقوة العنيفة. ويطالب المشرفون على الحزب الشيوعي الصيني بأن توافق تايوان على موتها كنظام حكم مستقل لمجرد أن القوات المسلحة الصينية تتفوق الآن على الجزيرة بأي مقياس يمكن تصوره تقريباً. ولكن ما الذي يفعله بالضبط تنظيم انتشار عسكري، بغض النظر عن مدى تهديده، لحث قيادة الرئيس لاي، أو أي شخص آخر، في تايبيه على الانتحار بمساعدة الغير؟.
لا توجد آلية واضحة تفسر كيف يولد السبب التأثير في الاستراتيجية الصينية، وبالتالي فإن نظرية النجاح الصينية تخفق في اختبار الواقع الاستراتيجي والسياسي. وتطلب بكين كل شيء من سكان الجزيرة، لكنها لا تقدم لهم شيئاً.
وباختصار، يقول هولمز إن الصين حرمت نفسها من خيارات أخرى غير الحرب، وقد لا ترغب في الحرب، لكن سنوات من الدبلوماسية المتعجرفة قد تجبرها على الذهاب إلى الحرب، ولديها القليل من البدائل.