مع دخول الحرب عامها الثالث.. كيف يعيش سكان المناطق المحتلة في أوكرانيا؟
مع دخول الحرب عامها الثالث، يعاني السكان في المناطق الأوكرانية المحتلة أوضاعا إنسانية صعبة وظروفا اقتصادية معقدة بسبب سياسات القمع التي تمارسها السلطات الغازية هناك، وفقا لتقرير مطول نشرته صحيفة “التلغراف”.
وقابلت الصحيفة البريطانية عددا من سكان تلك المناطق التي تحتلها روسيا، حيث تحدثوا مفضلين عدم الكشف عن هويتهم خشية من الانتقام.
وعقب عامين من شن روسيا غزوا واسع النطاق لأوكرانيا، وبعد عقد من الصراع في المناطق التي يسيطر عليها الانفصاليون في الشرق، لا يزال 20 بالمئة من مساحة أوكرانيا تحت الاحتلال الروسي.
ولا يتمكن سوى عدد قليل من الصحفيين من الوصول إلى الأراضي المحتلة، حيث يخضع تبادل المعلومات والاتصالات لرقابة شديدة من قبل الروس.
ومع ذلك، تحدثت صحيفة “التلغراف” مع 5 مسؤولين، بالإضافة إلى أكثر من 10 أشخاص يعيشون في الأراضي المحتلة أو فروا إلى أوكرانيا بعد الاحتلال، لوصف الحياة في تلك المناطق الواقعة تحت سيطرة روسيا.
وفي المناطق المحتلة منذ عام 2014 وهي شبه جزيرة القرم ومنطقتي لوغانسك ودونيتسك الانفصاليتين، يعيش الناس هناك حياة صعبة، ولكن مع سيطرة كبيرة للانفصاليين الموالين لموسكو، في حين أن المدن والبلدات التي سقطت في يد روسيا بعد العام 2022، يعاني الناس من “ظروف مزرية” في ظل الحكم الروسي “القمعي”، طبقا لتقرير الصحيفة.
ويتمتع الأوكرانيون في تلك المناطق، حيث الاعتقالات والاختفاءات القسرية شائعة، بقدر ضئيل للغاية من الحرية، حتى أن الأنشطة الروتينية، مثل المشي إلى المتجر، تحمل في طياتها إمكانية الاستجواب والتحقيق.
ونتيجة لذلك، يعيش معظمهم حياة منعزلة، بل ويزرعون طعامهم حيثما أمكن ذلك.
حتى داخل المنازل
وبحسب الذين تحدثوا إلى الصحيفة تمتد الرقابة والقيود الصارمة إلى داخل المنازل، حيث تعرض أجهزة التلفاز القنوات الروسية فقط، والأخبار التي تتحدث عن إنجازات “العملية العسكرية الخاصة” التي تقوم بها قوات الكرملين.
وبالنسبة لأولئك الذين لا يزال لديهم إمكانية الوصول إلى الإنترنت، فيجب عليهم استخدام برامج “VPN” إذا ما أرادوا مشاهدة البرامج والأخبار الأوكرانية، ولكن تلك التطبيقات سوف يجري حظرها اعتبارا من 1 مارس المقبل.
ويُحظر على سكان المناطق المحتلة استخدام شرائح الهاتف الأوكرانية، مما يجبر الأشخاص على الدخول إلى الشبكات الروسية أو إخفاء شرائحهم الأصيلة في المنزل.
ويعاني السكان أيضا من ارتفاع أسعار المواد الغذائية ذات نوعية رديئة، والتي يتم توريدها من روسيا أو إيران، كما أن البطاقات المصرفية الأوكرانية لا تعمل حيث جرى حظر العملة المحلية، الهريفنيا.
ويقدم الوسطاء غير الشرعيين خدمات تحويلات العملات، ولكن ذلك يأتي مع خطر الاعتقال لأولئك الذين يستخدمون هذه الطرق.
ولم تفعل الإدارات الجديدة في المناطق المحتلة سوى القليل لإصلاح البنية التحتية المتضررة، ونادرا ما تقوم بأعمال الصيانة.
ففي بعض المناطق، يقضي الناس أسابيعا أو أشهرا متواصلة دون إنترنت أو كهرباء، ولا يتوفر عندهم لديهم تدفئة مركزية، في بلد يمكن أن تنخفض فيه درجات الحرارة في فصل الشتاء إلى ما دون العشرين درجة مئوية تحت الصفر.
وبالإضافة إلى حرمانهم من الرعاية الطبية دون الحصول على الجنسية، فإن معظم المستشفيات مخصصة للجيش بسبب نقص الموظفين والإمدادات.
ووفقا لنائبة رئيس الوزراء وزيرة إعادة دمج الأراضي المحتلة مؤقتا في أوكرانيا، إيرينا فيريششوك، فإن حجم الدمار في المناطق المحتلة “ضخم”، بينما تواصل روسيا تجاهل القانون الدولي.
وأضافت: “هناك ما لا يقل عن 16 ألف مدني محتجزون في السجون أو المعسكرات أو غرف التعذيب”، مردفة: “بموجب قوانين حقوق الإنسان، يجب إعادتهم إلى أوكرانيا”.
وفي الوقت ذاته، لا يزال يتم ترحيل الأطفال من المناطق المحتلة، حيث تقدّر كييف أن أكثر من 19500 قاصر تم نقلهم إلى روسيا.
وقالت فيريششوك: “هناك حوالي 4000 يتيم في الأراضي المحتلة، ونحن قلقون من أنه سيتم ترحيلهم … تغير روسيا أسماء الأطفال وتاريخ ميلادهم بحيث يصعب العثور عليهم … إنها إبادة جماعية ضد سكاننا”.
“قتلوه أمام أعين والدته”
وحددت السلطات الأوكرانية غرف التعذيب في جميع أنحاء الأراضي المحتلة، والتي غالبا ما تكون موجودة في أقبية مراكز الشرطة أو المباني التي يستخدمها جهاز الأمن الفدرالي الروسي.
وقال عمدة مدينة ميليتوبول رئيس الإدارة العسكرية لمنطقة زابوريجيا، إيفان فيدوروف، “أعتقد أن الأراضي المحتلة هي سجن كبير وهي عبارة عن جريمة حرب كبيرة”.
وفي خيرسون المحتلة، تم اعتقال 5 بالمئة من السكان منذ بدء الحرب، وفقا لما قاله، أولكسندر تولوكونيكوف، وهو المتحدث باسم إدارة ولاية خيرسون الإقليمية.
وفي حالة مروعة حدثت في ديسمبر الماضي، اعتقلت القوات الغازية صبيا مراهقا من قرية في منطقة كاخوفكا بعد التقاط صورة بالقرب من نقطة تفتيش، حيث أخذوه إلى منزله وأطلقوا عليه الرصاص أمام والدته المذهولة.
وقال رجل، يُدعى أولكسندر، من بلدة بوكماك في زابوريجيا، إنه تعرض للضرب على يد القوات الروسية، التي سرقت أيضا آلات زراعية من ممتلكاته، بينما قال العديد من الأشخاص الآخرين إنهم شهدوا ذلك يحدث للآخرين.
ومن بين جميع الأراضي المحتلة، شهدت ماريوبول أسوأ أوقات العدوان الروسي، فقد دمرت قوات أكثر من نصف المدينة خلال حصار وحشي في عام 2020 أدى إلى مقتل ما لا يقل عن 10 آلاف شخص، وفقا لتقرير صادر عن منظمة “تروث هاوندز” الأوكرانية غير الحكومية و”هيومان رايتس ووتش”.
وتقلص عدد السكان عن ما يزيد قليلا عن نصف مليون قبل الحرب إلى حوالي 150 ألف نسمة، وما يقرب من نصف السكان الآن هم من الروس، حيث المتوقع أن ينتقل ما بين 25 إلى 45 ألف شخص إضافي إلى المدينة بحلول العام المقبل، وفقا لبترو أندريوشينكو، وهو مستشار عمدة المدينة.
ولا يحصل ما يقرب من 30 بالمئة من سكان المدينة على تدفئة، ويعيش الكثير منهم في مساكن متضررة أو خطيرة، مما يجعلهم عرضة للإصابة والمرض، حيث تنتشر نزلات البرد والإنفلونزا مع عدم توفر الرعاية الصحية.
وفي هذا الصدد قال أندريوشينكو “إن معدل الوفيات بلغ أعلى مستوياته منذ انتهاء الحصار، حيث يموت 400 شخص أسبوعيا – حتى المراهقين – بسبب أمراض يمكن علاجها”.
ومن أجل الحصول على الخدمات العامة والعمل ورواتب التقاعد، اضطر الكثير من السكان في المناطق المحتلة إلى قبول الجنسية الروسية والتي سوف تكون إلزامية اعتبارا من الأول من حزيران 2024، مع تهديد موسكو بتصنيف أولئك الذين لا يقبلون بها كأجانب.