هجمات الحوثيين في البحر.. ماذا كشفت عن قدراتهم؟
قال مايكل أرمسترونغ، أستاذ مشارك في بحوث العمليات العسكرية في جامعة بروك الكندية، إن الصواريخ الباليستية الحوثية قادرة على ضرب السفن المتحركة فعلاً، لكن ليس بقدرة عالية.
وصعَّدت هجمات الحوثيين الصاروخية في البحر الأحمر حدة التوترات وعطّلت التجارة العالمية، فهي تُمثِّل تحديات لكل الدول عموماً وللولايات المتحدة خصوصاً. ورغم ذلك، أمكن تحقيق هذه التأثيرات الإستراتيجية رغم الأداء المتواضع لأسلحة الحوثي ضد أهداف برية وبحرية.
وبدأ مقاتلو الحوثي في إطلاق صواريخ ومسيرات عبر البحر الأحمر نحو إسرائيل في تشرين الأول الماضي. غير أن هذه المقذوفات التي زعموا أنهم أطلقوها لم تصل إلى إسرائيل، وأصابت إحداها ستة مصريين، فيما اعترضت القوات الأميركية أو الإسرائيلية أغلبها.
وأسقطت 5 من صواريخ الحوثيين الباليستية التي تعتبر أولى الهجمات الحوثية الجوية، بصواريخ اعتراضية إسرائيلية من طراز Arrow على ارتفاع عالٍ فوق الغلاف الجوي.
وكانت هجمات الحوثيين في البحر الأحمر أفضل قليلاً. فمنذ تشرين الثاني الماضي، أطلقت قوات الحوثي مئات من صواريخ كروز والصواريخ الباليستية والمسيرات على سفن إما في البحر الأحمر وإما في خليج عدن، وكانت صواريخ كروز متوقعة.
وأشار الكاتب إلى أن صاروخ كروز الوحيد الذي أطلقوه على ناقلة نفط أصابها وأضرم فيها النيران، وأضاف: “رغم اعتراض الصواريخ الأربع التي أطلقوها نحو سفن حربية، كاد واحد منها (أي بنسبة 25%) أن يصيب مدمرة أميركية، لكنني أُقدِّر أن نحو 5% فقط من مقذوفات الحوثيين كانت صواريخ عابرة للبحار”.
وأوضح أرمسترونغ أن “استخدام الحوثيين للمسيرات بحراً يستند إلى ما شهدناه في أوكرانيا براً”، وقال: “بحسب تقديري، أصابَ الحوثيون 67% من السفن التجارية التي استهدفوها، لكنهم لم يصيبوا أي سفينة حربية”.
وفي المقابل، ما زال استخدامهم للصواريخ الباليستية ضد السفن بحراً يمثل سابقة عالميّاً، لكنهم أصابوا 30% فقط من أهدافهم التجارية، ولم يصيبوا أي أهداف عسكرية، وحتى إصاباتهم لم تُلحق سوى أضرار طفيفة.
مع هذا، فإ، الكثير من السفن البالغ عددها 18 التي قيل إنها أصيبت اشتعلت فيها النيران، غير أن سفينة واحدة فقط هي التي اقتضت الحاجة لإخلائها فيما لم تشهد أي إصابات بشرية. ومن المفارقة أن غالبية هجماتهم الناجحة على السفن إلى الآن كانت تنطوي على اختطاف وسيلة نقل”.
ونظراً لنتائج الحوثيين المتواضعة بالمسيرات والصواريخ الباليستية، ثمة تساؤلات عن سبب عدم إطلاقهم المزيد من صواريخ كروز. فهل يدّخرونها لمفاجآت لاحقة؟ أم نفد مخزونهم منها؟ ليس من قبيل المفاجأة أن هذه الصواريخ التي أُسيء توجيهها لم تفضِ إلى وقف الغزو الإسرائيلي لغزة، وإنما ساعدت إسرائيل إذ سمحت لها باختبار صواريخها الاعتراضية طراز Arrow ضد أهداف حية، مما يُمكن أن يعينها على بيع أسلحة لعملاء مثل ألمانيا.
أهداف استراتيجية تحققت
لكن الإخفاقات التكتيكية للحوثيين لم تَحل دون إنجازات استراتيجية أخرى. وبحسب الكاتب، فإن رمزية الهجوم على المجتمعات الإسرائيلية والسفن الأميركية يُزعم أنها أبهرت مؤيديهم المحلييين والأجانب، والأهم أن قصفهم لسفن أجبرت شركات الشحن على تجنب البحر الأحمر وإرسال شحنات أقل بنسبة 42% عبر قناة السويس، مما زاد تكاليف النقل على الشركات الأوروبية والآسيوية.
وأثارت الأضرار الاقتصادية ردود فعل، وليس من الولايات المتحدة وإسرائيل وحسب. وعملياً، فقد نشرت فرنسا وبريطانيا سفناً حربية في البحر الأحمر، ووضعت الهند وباكستان سفنهما في بحر العرب. واعترضت تلك المهام الدفاعية العديد من أسلحة الحوثيين، لكنها استخدمت ذخيرة بلغت قيمتها ملايين الدولارات.
تجنب التصعيد
وبعد ذلك، وقعت الغارات الجوية التي بدأتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة في كانون الثاني. ولكن، لأن الحوثيين يواصلون إطلاق النار، لا تزال شركات الشحن غير مطمئنة، فيما تود واشنطن بشدة تجنُّب المزيد من التصعيد.
ولذلك، تُشبه هذه الصعوبات في مواجهة صواريخ الحوثيين الصعوبات التي تواجهها إسرائيل في مواجهة حماس.
ومن النتائج المثيرة أن الاتحاد الأوروبي ينظم مهمة بحرية في البحر الأحمر منفصلة عن المهمة التي تقودها الولايات المتحدة.
وهذه التجربة المستقلة يمكن أن تكون ذات قيمة كبيرة إذا أمسى الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب المُتقلب المزاج رئيساً للولايات المتحدة مجدداً.
وللإشار، بحسب الكاتب، فإن مهمة الاتحاد الأوروبي ستمنح السفن الحربية الموجودة في المنطقة فرصةً للراحة وإعادة التسلُّح. ورغم ذلك، نظراً لأن هذه المهمة دفاعية بحتة، فلا يمكنها سوى إتاحة متسع من الوقت بحثاً عن حل آخر. (24)