“وهم إسرائيل الخطير”.. “The Atlantic”: لن يتدخل أي طرف ثالث لحكم غزة
كتبت صحيفة “The Atlantic” الاميركية: يبدو أن إسرائيل قد شنت المرحلة الأولى من غزوها البري الواسع النطاق لقطاع غزة، مشددة على ضرورة القضاء على حركة حماس أو جعلها أقل أهمية بطريقة ما، حتى ولو كان ذلك على حساب تدمير غزة دماراً شاملاً.
يبقى السؤال، ماذا بعد ذلك؟ فبحسب ما ورد، أبلغ المسؤولون الإسرائيليون إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن أنهم لم يشاركوا في أي تخطيط جدي لمرحلة ما بعد الصراع، ويعود سبب ذلك إلى أن أيّاً من خياراتهم جيدة. وعلى الرغم من وفرة المقترحات الخيالية، لن يتدخل أحد لتحمل عبء معضلة إسرائيل المستحيلة، أو، بكل بساطة، تحمّل تبعاتها”.
وتابعت الصحيفة، “قد يشعر الإسرائيليون بأنهم لا يتحملون أي مسؤولية عن الواقع في غزة، لأن حماس تسيطر على القطاع منذ عام 2007. ولكن بقية العالم يدرك أن الاحتلال مستمر، ولو من خارج حدود القطاع. وتحكم إسرائيل طوال الوقت سيطرتها على المياه الساحلية لغزة، ومجالها الجوي، وكافة المعابر المؤدية إلى القطاع باستثناء معبر صغير تسيطر عليه مصر. لقد اتخذت إسرائيل كل القرارات الرئيسية المتعلقة بغزة تقريبًا منذ عام 1967، بما في ذلك القرار المتهور والمدمر للذات بدعم حماس من أجل تقسيم الحركة الوطنية الفلسطينية بين الإسلاميين المتمركزين في غزة والقوميين العلمانيين في الضفة الغربية”.
وأضافت الصحيفة، “أما الآن، فقد شرعت إسرائيل، التي تأسف على ما يبدو على هذه السياسة بعد الهجوم المروع الذي قادته حماس في السابع من تشرين الأول، في شن هجوم من شأنه أن يؤدي حتماً إلى تحويل قسم كبير من غزة إلى حفرة مشتعلة من الدمار. ومع ذلك، يبدو أنها لا تزال تأمل في الانسحاب بعد ذلك، ونقل السلطة المحلية إلى… شخص آخر. لكن هذا السيناريو بعيد التحقيق، فما من طرف ثالث مستعد أو قادر على مراقبة وإعادة بناء غزة نيابة عن إسرائيل وبالتنسيق معها”.
وبحسب الصحيفة، “يشير أحد الاقتراحات الشائعة إلى ضرورة قيام قوة عسكرية، يتم اختيارها من الدول العربية المستقرة، بتأمين وإدارة قطاع غزة مع انسحاب إسرائيل. ونظراً لموقعها الجغرافي وتاريخها، يتعين على مصر أن تكون لاعباً مركزياً في أي جهد من هذا القبيل. ولكن المصريين جعلوا من أولويات سياستهم الخارجية عدم الانجرار مرة أخرى إلى غزة منذ عام 1979. وفي الواقع، هم ليسوا في وارد تغيير رأيهم”.
وتابعت الصحيفة، “أما المرشح الآخر فهو السلطة الفلسطينية، لكن النظام الذي يقوده محمود عباس في رام الله لن يكسب شيئاً من العودة إلى غزة في أعقاب الدمار الإسرائيلي. وحتى في العقد الذي سبق هذه الحرب، رفض عباس العديد من المقترحات المصرية الداعية إلى تولي السلطة الفلسطينية الوزارات الحكومية في غزة، أو توفير الأمن على الجانب الفلسطيني من المعابر المؤدية إلى القطاع. ويبدو أن حماس كانت على استعداد لقبول هذه المبادرات، لكنها أصرت أيضاً على أنها لن تنزع سلاحها. كان عباس يخشى أن يصبح مسؤولاً عن سكان غزة الفقراء، حيث لا موارد كافية، وأن يحكم في ظل مجموعة مدججة بالسلاح يمكنها أن تلجأ إلى العنف متى شاءت”.
ورأت الصحيفة أنه “إذا كانت السلطة الفلسطينية تخشى العودة إلى غزة في ذلك الوقت، فإنها لن تكون متحمسة للتدخل اليوم. إن احتياجات غزة ستكون هائلة، والوصول إلى السلطة على “ظهر” الدبابات الإسرائيلية من شأنه أن يقضي على السلطة الفلسطينية بين الفلسطينيين. ربما، إذا قام طرف ثالث بتأمين غزة لفترة من الوقت بعد انسحاب إسرائيل، فقد تكون السلطة الفلسطينية على استعداد لتحمل هذه المسؤولية لاحقاً. ولكن، من سيكون هذا الطرف الثالث؟”
وبحسب الصحيفة، “يتحدث بعض الإسرائيليين في الكواليس عن عودة محمد دحلان، زعيم فتح السابق في غزة، والذي يعيش في المنفى في الإمارات العربية المتحدة منذ استيلاء حماس العنيف على السلطة في عام 2007. لا يزال لدى دحلان مؤيدون في غزة، لكنه لا يحظى بشعبية على نطاق واسع بين الفلسطينيين، كما وأن علاقته سيئة مع عباس ودائرته الداخلية، وبدون دعم رام الله، لا يستطيع دحلان إعادة السلطة الفلسطينية إلى السلطة في غزة بشكل فعال”.
وأضافت الصحيفة، “لكن ماذا عن قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة؟ تخيل أن بعثة لحفظ السلام تابعة للأمم المتحدة مسؤولة عن مجتمع مدمر تماما، وكان بالفعل على شفا كارثة إنسانية. والآن، تخيل أنها تحارب التمرد الذي تخطط حماس بوضوح لإطلاق العنان له ضد الإسرائيليين، وهذا هو أحد الأسباب التي تجعل قوات الدفاع الإسرائيلية تريد الخروج في أسرع وقت ممكن بمجرد الانتهاء من إحداث الفوضى. إذاً، يكاد يكون من المؤكد أن الأمم المتحدة والدول الأعضاء فيها لن تكون على استعداد لقبول المسؤولية عن رعاية أكثر من مليوني فلسطيني من الفقراء والنازحين إلى حد كبير في منطقة صغيرة ومكتظة بالسكان تحولت إلى أنقاض”.
وتابعت الصحيفة، “كان الهدف الرئيسي لحماس منذ تأسيسها في عام 1987 يتلخص في الاستيلاء على الحركة الوطنية الفلسطينية، بما في ذلك منظمة التحرير الفلسطينية، بحضورها الدبلوماسي الدولي الثمين، وتمتعها بوضع دولة مراقب في الأمم المتحدة. وفي خدمة هذا الهدف، تأمل حماس في جذب إسرائيل إلى غزة، حيث تستطيع شن تمرد طويل الأمد ضد المحتلين الإسرائيليين، وعندئذ سوف تزعم حماس أنها تنقل القتال إلى إسرائيل، بينما يجلس القوميون العلمانيون في الضفة الغربية منتظرين المفاوضات التي لن تحدث أبداً. هذا هو طريق حماس إلى القيادة. فإذا تراجع الإسرائيليون، لن تتخلى حماس ببساطة عن التمرد المخطط له، وسوف تنفذ الخطة ضد أي قوة يبدو أنها تمثل مصالح إسرائيل، سواء كانت عربية أو تابعة للأمم المتحدة أو حتى فلسطينية”.
وأشارت الصحيفة إلى أنه “لن يدخل أي طرف ثالث إلى غزة لمحاربة التمرد المخطط لشنه من قبل القوات الإسرائيلية، وإعادة بناء البنية الأساسية والمجتمع الذي مزقته الحرب، وحل مشكلة الحكم التي طال أمدها والتي ضمن الوجود المسلح لحماس استمرارها. إن إسرائيل تقف بمفردها، لذا يتعين عليها أن تجد بديلاً للانسحاب من غزة بسرعة، وبالتالي السماح لحماس بالعودة إلى الظهور، على الأقل ككيان سياسي، والبقاء ومحاربة التمرد الحتمي. وأياً كانت القرارات التي ستتخذها إسرائيل الآن بعد أن بدأت هجومها البري على غزة، فيتعين عليها أن تدرك أن أي قوة خارقة لن تتدخل وتنقذها من العواقب المتراكمة المترتبة على تصرفاتها منذ عام 1967”.
وختمت الصحيفة، “عندما تهدأ الأمور أكثر، فسوف يُترك لإسرائيل والفلسطينيين التعامل مع الكوارث التي سببوها لأنفسهم”.