“أكرنة” (*) غزة!
استنادًا إلى التهديدات التي أطلقها قادة العدو، بعدما “وحدّتهم المصيبة”، يمكن القول إن الحرب التي تشنّها
إسرائيل ضد قطاع غزة ستكون أطول مما يعتقد البعض، خصوصًا إذا ما أُخذ التصميم الفلسطيني على الصمود، أيًّا تكن التضحيات، على محمل الجدّ، وليس كما يحاول الإسرائيليون تصوير الوضع من خلال الكلام الأخير الذي أطلقه كل من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، الذي هدّد وتوعدّ بإنه سيعمل على “تدمير حماس”، مدّعيًا بأن “دماء قادتها مهدورة”، ووزير دفاعه يوآف غالانت، الذي جاهر بـ “أننا سنحارب بكل قوتنا وعلى كل الجبهات”.
والحرب الطويلة تعني أن قطاع غزة أُدخل في متاهة “أكرنته”، نسبة إلى الحرب الدائرة في أوكرانيا، من دون أن يستطيع أحد من طرفي النزاع هناك من تحقيق أي من الأهداف، التي أعلناها في بداية هذه الحرب، التي طوت عامها الأول، وهي مستمرّة تحت شعار عرفه لبنان في زمن حربه العبثية “لا غالب ولا مغلوب”. فلا الروس حققوا ما أرادوه عندما أعلنوا الحرب على أوكرانيا، ولا الأوكرانيون استطاعوا أن يحرّروا المناطق التي احتلتها موسكو.
فالخاسر الوحيد في كل هذه الحروب هو السلام العالمي، فضلًا عمّا تعانيه الشعوب المغلوبة على أمرها، التي غالبًا ما تكون نتائج هذه الحروب على حسابها، وكذلك الحلول.
فما حقّقته حركة “حماس” من خلال توجيهها ضربة أكثر من موجعة لإسرائيل غيّر قواعد “اللعبة”، وكسر هيبة أكبر دولة في المنطقة من حيث إمكاناتها العسكرية. ولكن هذا الانتصار قياسًا إلى ما يعانيه أهل غزة جرّاء القصف الوحشي والهمجي، الذي يتعرّضون له على مدى ساعات الليل والنهار، لا يمكن “تقريشه” في ميزان الربح والخسارة من حيث الاستراتيجيات البعيدة المدى، خصوصًا أن “البروباغندا” الإسرائيلية استغلت ما قام به عناصر “حماس” في هجومهم المباغت لتصوير إسرائيل بأنها “الضحية”، وبأنها معتدًى عليها وليست معتدية. وهذه “البروباغندا” نجحت إلى حدود معينة.
يُقال إن “حماس” عندما باغتت العدو بهذا الهجوم المدبّر والمنظّم والمدروس بدقة وعناية كانت تدرك حجم ردّة فعل الإسرائيليين، وهي أرادت أن تجرّ إسرائيل إلى أرض المعركة لإظهار صورتها على حقيقتها، وهي التي تستهدف بقصفها الأماكن السكنية المأهولة بالأطفال والنساء والعجز. إلاّ أن أكثر ما فاجأ “حماس” هو أنها لم تلقّ سوى تأييد كلامي ودعم معسول، وهي التي كانت تتوقع أن يهبّ العالم دفعة واحدة لمؤازرتها في انتفاضتها الحقيقية.
الفرق بين الحرب في غزّة والحرب في
أوكرانيا هو أن الرئيس الأوكراني لديه هامش واسع من حرية الحركة، وهو يتنقّل بحرية من دولة إلى أخرى، ويحصد تأييد ودعم الولايات المتحدة الأميركية ودول أوروبا، فيما حركة “حماس” محرومة من كل هذا الدعم، مع أن القضية الفلسطينية هي من بين أكثر القضايا أهمية في العالم، وهي التي تحظى بأكبر دعم كلامي ليس إلاّ، باستثناء ما تتلقاه حركة “حماس” من إمداد بالصواريخ والمسيّرات من إيران بالقدر نفسه، الذي يتلقاه “حزب الله”.
وبالتوازي تتوالى الأيام على إعلان إسرائيل حربها على غزة عبر حكومة الطوارئ، بعدما وحدّت “المصيبة” الإسرائيليين، الذين لم يتفقوا يومًا كما هم متفقون اليوم على القضاء على “حماس”، التي يعتبرونها شبيهة بـ “داعش”، من دون الأخذ في الاعتبار أن “حماس” اليوم تحظى بدعم ما لا يقّل عن دعم أكثر من مليوني فلسطيني في الداخل وفي الشتات، وهي مؤهلة لأن تلعب دورًا سياسيًا مهمًّا على الساحة الفلسطينية حين يهدأ المدفع، وهو سيهدأ في نهاية المطاف، لأن ما يسعى إليه الإسرائيليون، وهو القضاء على “حماس”، هو ضرب من المحال.
(*) نسبة إلى الحرب الدائرة في أوكرانيا