بهذ الأساليب حسّن الجيش الروسي أداءه في ميدان حرب أوكرانيا
إعتبر المحللان في مركز الأمن والتكنولوجيا الناشئة مارغاريتا كوناييف وأوين دانيالز في مقال مشترك بمجلة “فورين أفيرز” أن هناك بعداً آخر لما يجري في الحرب الروسية- الأوكرانية، وهو سلوك روسيا المتغير فوق الميدان.
وبحسب المقال، فخلال الأشهر الستة إلى التسعة الأولى من النزاع، بدا أن الكرملين لم يتعلم من أخطائه. لكن منذ ذلك الحين، كانت القوات المسلحة الروسية تعمل على تحسين تكتيكاتها في ساحة المعركة ولو ببطء وبكلفة كبيرة في الأرواح والموارد.
وبعد مرور عام ونصف العام على الحرب، يعاني الجيش الروسي من الكدمات والإرهاق. لقد اختفى ما لا يقل عن نصف، وربما ثلثا الدبابات الجاهزة للقتال التي خصصتها روسيا للحرب، مما اضطر الكرملين إلى استخدام احتياطاته من الحقبة السوفيتية. والكثير من المعدات الروسية الأخرى كالعربات المدرعة والأنظمة المدفعية والإلكترونية تضررت أو تدمرت أو أصبحت بحيازة الأوكرانيين.
من ناحية أخرى، تلقت القوات الروسية تدريباً سيئاً ومعنوياتها منخفضة كما يتم إجبارها في بعض الأحيان على القتال. بعضها خرج حديثاً من السجن، والبعض الآخر يتعاطى المخدرات. ولكن بالرغم من كل ذلك، لا يزال الجيش الروسي قادراً على التعلم والتكيف.
ووفق الكاتبين، ليس من الواضح بالضبط سبب فشل روسيا في الاستفادة من هذه الميزة الظاهرة التي طورتها طوال أكثر من 10 أعوام واستخدمتها بفاعلية كبيرة في سوريا وفي الغزو الأول لأوكرانيا سنة 2014. لكن الخبراء أعادوا ذلك إلى فشل موسكو الأوسع في التخطيط للغزو وضعف التنسيق العسكري الروسي، وواقع أن روسيا ستعطل بشدة اتصالاتها من خلال استخدام أجهزة التشويش الإلكترونية. لكن عندما انتقلت الحرب إلى دونباس في أواخر ربيع 2022، بدأت روسيا في تكثيف استخدامها لأنظمة الحرب الإلكترونية.
نشرت موسكو نحو عشرة مجمعات للحرب الإلكترونية – وهي مجموعات من الأنظمة المستخدمة للتشويش على اتصالات العدو وتعطيل أنظمة الملاحة التابعة له وتدمير أجهزة الرادار الخاصة به – لكل 12.4 ميلاً من خط المواجهة. لكن وبمرور الوقت، انخفضت هذه النسبة، حيث يغطي نظام رئيسي واحد كل ستة كيلومترات من الجبهة تقريباً، مع نشر أصول حربية إلكترونية إضافية حسب الحاجة، لتعزيز وحداتها.
لا تزال هذه الأنظمة تعاني من مشاكل، بما فيها التغطية المحدودة نسبياً وعدم القدرة على تجنب التأثير على بعضها البعض. لكن في الإجمال، أثبتت هذه الأسلحة أنها ذات قيمة هائلة،
واستخدمتها روسيا أيضاً لمنع المسيّرات الأوكرانية من نقل معلومات الاستهداف، ولتعزيز شبكات وقدرات الدفاع الجوي الروسية، ولاعتراض وفك تشفير الاتصالات العسكرية الأوكرانية. وحتى الآن، لم تحقق أوكرانيا سوى نجاح محدود في مواجهة هذه القدرات الروسية المعززة.
كما أعاد الجيش الروسي إحياء أصوله الحربية الإلكترونية، كذلك أعاد تشكيل عملياته وبنيته التحتية للقيادة والتحكم، والتي دمرتها أنظمة هيمارس الصاروخية التي زودتها بها الولايات المتحدة وغيرها من الصواريخ الأوكرانية الدقيقة والطويلة المدى خلال صيف 2022. وخلال هذه العملية، أجرت روسيا عدداً من التغييرات العامة البدائية نسبياً لكن الناجحة على العموم، بما فيها سحب مقر قيادتها خارج نطاق صواريخ أرض-جو الأوكرانية، ووضع مراكز قيادتها الأمامية في مناطق أعمق تحت الأرض، وخلف مواقع شديدة الدفاع، إلى جانب تحصينها بالخرسانة.
وتابع المقال، أنه تم تنظيم الجيش الروسي في ما يسمى بمجموعات الكتائب التكتيكية، وهي في الأساس تشكيلات من المدفعية والدبابات والمشاة تم تجميعها لتحسين الاستعداد والتماسك. في أوكرانيا، ثبت هيكل القوة هذا أنه كارثي. كانت معظم مجموعات الكتائب التكتيكية تعاني من نقص في العدد وخصوصاً وحدات المشاة المهمة للقتال في المناطق الحضرية، حيث جرت بعض المعارك الحاسمة خلال الفترة المبكرة من الحرب. تم تمكين التحول في تكتيكات المشاة بشكل جزئي من خلال وصول مجندين من داخل روسيا، ومن داخل ما يسمى جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين، ومن السجناء الذين جندتهم شركة فاغنر شبه العسكرية.
وبنتيجة ذلك، تمكنت هذه القوات المدربة والمجهزة بشكل أفضل من التناوب داخل وخارج الميدان، وتم تجنب خسائر كبيرة في الأشهر الأخيرة، بعد أن تحملت تكاليف باهظة في المراحل الأولى من الحرب.
مع تحول الحرب إلى منطقة دونباس، أجبرت الطبيعة الثابتة للقتال القيادة العسكرية الروسية على دمج المدفعية ضمن ألوية. ساعدت هذه الخطوة على تحسين التنسيق وتركيز القوة النارية بطريقة تتماشى بشكل أفضل مع العقيدة الروسية التقليدية. لكن الجيش الروسي لا يزال يستهلك الذخيرة بشكل أسرع من قدرة المصانع الروسية على إنتاجها. تفاقم هذا النقص بسبب الضربات الأوكرانية الناجحة على مخزونات الذخيرة الروسية، عبر منطقة دونباس في الجزء الثاني من 2022.
كان أحد الإجراءات المتبعة تشديد الرابط بين أنظمة الاستطلاع والجنود الذين ينفذون الهجمات، مما سمح للجيش الروسي بضرب القوات الأوكرانية ومراكز القيادة والمعدات والذخيرة بشكل أسرع وأدق. وتستخدم روسيا على نحو متزايد ذخائر لانسيت المتسكعة الرخيصة نسبياً أو المسيرات المتفجرة لإحباط التقدم الأوكراني، من خلال تدمير المعدات العسكرية الباهظة الثمن مثل أنظمة الدفاع الجوي. توفر هذه الضربات في بعض الأحيان قيمة دعائية لروسيا، حيث تنتج مقاطع فيديو تظهر تدمير الأصول الأوكرانية القيّمة، التي يمكن بثها على التلفزيون أو على وسائل التواصل الاجتماعي.
وأشار المقال إلى أنه لا يزال هناك العديد من المجالات التي يواصل فيها الجيش الروسي أداءه الضعيف أو يفشل تماماً. تظل القوات المسلحة الروسية غير قادرة على تحقيق التكامل الأفقي على مستوى القيادة والتحكم، كما لا يمكنها إيصال قرارات القادة وتبادل المعلومات عبر الوحدات المختلفة في الوقت الفعلي.
نتيجة ذلك، فإن الوحدات الروسية المنتشرة على مقربة من خط المواجهة عاجزة عن التواصل بشكل فعال مع بعضها البعض، إذا كانت تنتمي إلى تشكيلات مختلفة. وفي كثير من الأحيان، لا يمكنها دعم بعضها البعض لأن لديها سلاسل قيادية منفصلة. وهذا ليس خللاً فنياً أو عائقاً بيروقراطياً. إنها مشكلة عميقة من غير المرجح أن يتم حلها، دون إصلاح شامل للمؤسسة العسكرية في روسيا، بل ربما حتى لنظامها السياسي.
تشكل أوجه القصور الهيكلية هذه جزءاً من “الحمض النووي” للجيش الروسي. فهي تساعد في تفسير سبب أن بعض أصعب الدروس التي تعلمتها روسيا خلال صراعات أخرى – في الشيشان مثلاً عن صعوبات حرب المدن، وفي سوريا عن فوائد القيادة والسيطرة المرنة – تعيد تعلمها في أوكرانيا من جديد، بعد خسائر مذهلة في الأرواح والعتاد.