بعد الإشكال بين ضابط قوى الأمن ورتيب الجيش… إليكم تفاصيل ما جرى
انشغل الرأي العام اللبناني في الساعات الماضية بالفيديو الذي أظهر إشكالاً وقع بين ضابط في قوى الأمن الداخلي ورتيب في الجيش اللبناني، في منطقة غاليري سمعان، على خلفية حجز دراجة نارية للأخير.
أخذ هذا الموضوع حيّزاً كبيراً من الاهتمام على وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإعلامية، وقد نتج عن الفيديو المتداوَل تضامن من النشطاء مع الرتيب في الجيش، وهجوم على الضابط في قوى الأمن والمطالبة بمعاقبته. وقد توالت الأخبار التي عنونت أنّ “ضابطاً في قوى الأمن الداخلي اعتدى على عنصر في الجيش اللبناني”، وأخرى تحدثت عن “توقيف الضابط في قوى الأمن من قبل الشرطة العسكرية”، وتبين لاحقاً أنها جميعها غير صحيحة. ولكن ما حقيقة ما حصل؟ وأي سياق شهده على الأرض هذا الإشكال؟
مصادر أمنية مطلعة على مجريات الإشكال أفادت بعدد من المعطيات الكفيلة بإيضاح الصورة أمام الرأي العام اللبناني، وتفنّدها كالآتي:
أولاً: الضابط المعنيّ في قوى الأمن هو الرائد عزت شقير، وهو نجل العميد حسن شقير نائب مدير عام جهاز أمن الدولة. حيث أكدت المصادر على مهنيّة وكفاءة وانضباط الرائد، وهو ضابط لم يسجّل في إضبارته تدبير مسلكي واحد منذ انضمامه لقوى الأمن، لا بل أنه ضابط محبوب من رؤسائه ومرؤوسيه على حدّ سواء، وينفّذ المهام الموكلة اليه بمسؤولية عسكرية ومسلكيّة مثاليتين ولا تشوبهما شائبة.
ثانياً: الإحتكاك الذي حصل على نقطة التفتيش التابعة لقوى الأمن، يحصل بحسب المصادر، في بعض الأحيان بين الأجهزة اللبنانية، وهذا أمر ليس بجديد بل إنه تاريخي ومعروف. وعادة تتم المعالجة السريعة والفعالة بين قيادات الأجهزة المعنية لحلّ الإشكالات. ولكن الفارق في هذا الإشكال وقوعه في وضح النهار، وتحت أعين المارّة الذين سارعوا إلى التصوير ونشر المحتوى على وسائل التواصل، فانطلق الفيديو كالنار في الهشيم.
وفيما عمد بعض الأشخاص إلى الاصطياد في الماء العكر، عبر إشعال الغرائز واللعب على وتر “المنافسة” بين الجيش وقوى الأمن، أكدت المصادر أنّ اللعب على وتر الحساسية بين الجيش وقوى الأمن لا ينطبق إطلاقاً في حالة الرائد شقير. فالرجل لا يمكن أبداً أن يكون قد تصرّف مع الرتيب في الجيش من منطلق شخصي أو “حساسية” تجاه المؤسسة العسكرية، فوالد الرائد هو العميد الركن حسن شقير، الذي خدم ٢٥ عاماً في الجيش اللبناني في مواقع قيادية وإدارية حساسة منها مديرية المخابرات. أي أنّ الرجل تمت “تربيته” من قبل ضابط عام في الجيش. بمعنى آخر، لا يمكن “إلباس” رجل نشأ في كنف الجيش وحبّه “عباءة” التصرّف بدافع الحساسية بين المؤسستين.
ثالثاً: وفي وقائع الإشكال، شرحت المصادر أن الرتيب في الجيش لم يكن هو مَن يقود الدراجة عندما تمّ حجزها، وهي ليست مسجّلة باسمه، بل هي باسم مالك آخر. وقد أتى الرّتيب بعد حجزها لاستعادتها، وحصل الإشكال. وأكّدت المصادر وجود تعليمات من المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي للوحدات العملانية بعدم التعرّض أو حجز الدراجات النارية التي يقودها عسكريون، وهو تدبير مُنفّذ فعلياً منذ بدء الأزمة حيث يعتمد العديد من العسكريين في الجيش والقوى الأمنية المختلفة على الدراجات للإلتحاق بمراكزهم.
رابعاً: كان تصرّف الرتيب في الجيش غير لائق ومستفزّ لعناصر دورية قوى الأمن الداخلي على الحاجز، بحسب المصادر، حيث قام بالصعود على حمّالة الدراجات رغم محاولة العناصر ثنيه عن ذلك، وهذا يظهر في الفيديو. وقام بعدها باستفزاز العناصر ومنهم ضابط عون، ثم قفز بسرعة وتوجه إلى الضابط القائد بطريقة لا تحترم مطلقاً الأخلاقيات والمناقبية والتراتبية العسكرية ونظام عام الجيش نفسه. استُفزّ الرائد، وهذا ما كان ليحصل حكماً مع أي ضابط قائد آخر يتمّ الصّراخ بوجهه والاندفاع نحوه بغضب وسرعة على الأرض وأمام مرؤوسيه، مما حذاه ببساطة إلى إبعاده عنه دفاعاً عن نفسه وعن هيبته أمام عناصره.
في هذا الإطار، وبغضّ النظر عن حقّ الرتيب في الجيش من عدمه، تشير المصادر إلى أنه كان يتوجّب عليه أن يكون منضبطاً، وأن يحترم السلوكيات والأعراف العسكرية. وكان عليه التقدّم بالشكل القانوني من الضابط وباحترام لرتبته الأعلى، وإلقاء التحيّة العسكريّة، ثمّ التعريف عن نفسه بالإسم والرّتبة، وطلب الإذن بالكلام، والحفاظ على مسافة قانونية بينه وبين من هو أعلى منه رتبة، بل مَن هو ضابط قائد برتبة رائد يأمر قوّة عملانيّة تنفّذ مهمة على الأرض.
وتضيف المصادر: “كان على الرتيب بعدها، إن لم يعطه الرائد ما يطلب أو ما يعتبره حقّا له، أن يفيد رئيسه المباشر في الجيش عن الحادث، حيث سيقوم الأخير حكماً بالمقتضى لحل الموضوع وإعطائه حقّه حسب الأصول. ولم يكن عليه نهائياً أن يتوجه إلى العناصر والضباط بنبرة حادة. والأهم من ذلك كلّه هو أنه كان يجب عليه احترام قانون الجيش ونظامه العام، وفي طليعتهما السلوكية والإنضباط واحترام التراتبية العسكرية، حيث الرتبة العسكرية الأعلى تفرض التحية والاحترام غير الخاضعين للجدل”.
وهنا تفيد المصادر أن ما فعله الرائد في قوى الأمن لا يرقى الى مستوى ردّة فعل متناسبة مع فعل الرتيب، مشيرة إلى انه لو كان الأمر معكوساً، أي انه لو كانت القوة المنتشرة للجيش وتوجه رتيب من قوى الأمن إلى آمر القوة بالشكل الذي حصل، لكان الآمر استعمل القوّة المفرطة لضبطه ولم يكن يكتفي بدفعه.
وختمت المصادر بالإشارة إلى أن الرائد عاش بعد الحادثة ما يشبه حكم الإعدام المعنوي على وسائل التواصل، متوقفة عند ما يُظهره الفيديو في نهايته حيث توجه ضابط عون في قوى الأمن إلى الرتيب في الجيش بعد الإشكال وكل ما سبق ذكره، محاولاً تهدئته متوجهاً إليه بهدوء تام قائلا: “يا وطن، وقاف ع جنب هلّق منيسّرلك أمورك”، بما معناه أنّ الضابط سوف يحلّ الإشكال، إنما أملت عليه مسؤوليته الانتظار ريثما يتوقف المارة المتجمهرون عن التصوير. وهذا يظهر حسن نيّة واضحة على الرغم من كلّ ما سبق.
وعليه، تختم المصادر: “يجب الحكم على الأمور بهدوء ورويّة على الدوام، ومعرفة الحقائق بكافة جوانبها وليس فقط ما يظهر منها، وعدم الإنجرار بسرعة إلى الاستنتاج وإصدار الأحكام. فليسترح الرأي العام وينسحب من عملية إطلاق التهم والأحكام، وليترك الأمر لأوليائه”.
هي ليست المرّة الأولى ولن تكون الأخيرة، التي تُعالَج فيها الأمور بين قيادة الجيش والمديرية العامة لقوى الأمن الداخلي حسب الأصول والأعراف وبما تقتضي حكمة القيادة، وهي الطريقة الوحيدة لإعطاء الحقّ لصاحبه.