اقتصاد

تفاصيل حقيقة “صيرفة” ومصيرها.. هذا ما ستفعله بالدولار!

30 تموز, 2023

إعتباراً من منتصف ليل يوم غدٍ الإثنين 31 تمّوز الجاري، ينتهي عصرُ رياض سلامة، الرجل الذي حكم مصرف لبنان لمدّة 30 عاماً بسياساتٍ مالية عديدة واكبتها حكومات ومجالس نيابيّة، وأيدها رؤساء جمهوريّة وشهدت عليها الدّول لسنواتٍ وسنوات.

ما حصده سلامة خلال “ترؤسه” البنك المركزي كان كثيراً، لكنّ الرهان يبقى على ما يمكن أن يستمرّ بعده، والحديث الأبرز اليوم يتمحور حول مصير منصّة “صيرفة” التي أنشأها سلامة بهدف جعل مصرف لبنان لاعباً أساسياً في سوق الإقتصاد النقدي وتحديداً إبان الأزمة المالية التي يشهدها لبنان منذ العام 2019.

حتى الآن، لا مؤشرات تُوحي بأنّ “صيرفة” ستتوقف، بل ستدخلُ مرحلة جديدة من عملها أساسها التطوير وتكريس الشفافية أكثر، والدليل على ذلك هو أنّ نواب حاكم

مصرف لبنان الأربعة وخلال إجتماعاتهم المكوكيّة خلال الأيام الأخيرة، تحدثوا عن استمرار التزامهم بأمورٍ سارية حالياً أبرزها دفع رواتب موظفي القطاع العام بالدولار. هنا، فإن ذلك يعني وبكل بساطة، إستمرار التعميم 161 المرتبط بـ”صيرفة”، وبالتالي بقاءَ تلك الأخيرة سارية المفعول حتى وإن تمّ تضييق هامش الإستفادة منها.

من ينظُر إلى تلك المنصة التي دافع عنها رياض سلامة خلال آخر إطلالة تلفزيونية له قبل أيام، سيتبين أنها باتت عنصر إستقرارٍ نفسي في السوق أكثر من أن تكون عُنصر إستقرار ماليّ. بحسب مصادر إقتصادية، فإنّ “صيرفة” فعلياً لا تخدُم السوق بشكل مباشر، فحجمُ التداول اليومي عبرها يعكسُ حكاية أخرى. وتوضيحاً بشكل أدق، فإنّ مختلف الأسعار القائمة حالياً مُرتبطة بسعر الدولار في السوق الموازية وليس بـ”دولار صيرفة”، كما أنّ عملية التداول عبرها تتمحورُ بشكل أساسٍ في عملية بيع الدولار وليس في عملية شرائه إلا في حالاتٍ مُحددة. وللإشارة، فإنّ سلامة لم يعترف في أيّ مرة بكيفية عمل “صيرفة”، لكنّه اكتفى مؤخراً بالقول إنها منصة تجعل مصرف لبنان يتدخل كبائعٍ أو شارٍ للدولار من السوق… ولكن، هل الشراء يحصل حقاً بشكلٍ دائم.. وكيف؟ من هي الجهة التي ستبيع مصرف لبنان دولاراتٍ بسعر أقل من السوق؟ هل الأمر يرتبطُ بـ”عملٍ خيري”؟

بالطبع، لا، فما من أحدٍ يمنح المصرف المركزي دولاراتٍ بشكلٍ سهل، ولهذا فإنَّ الفائدة من “صيرفة” ليست دائمة بالنسبة للبنك المركزي لأنه في الغالب يتم إستخدامها لبيع الدولارات وتمويل الرواتب.

إلا أنه في المقابل، تشكل “صيرفة” أداةً يُمكن إستخدامها متى ما قرّر البنك المركزي ذلك، كما أنه من خلالها يمكن أن يؤثر على السوق نفسياً من دون أن يتخذ أي خطوة مالية فعلية حتى.. وحتماً، المثال على ذلك قائم وهو التالي: يوم 21 آذار الماضي، وصل الدولار إلى مستويات غير مسبوقة إذ تخطى عتبة الـ150 ألف ليرة. حينها، أصدر سلامة تعميماً عاجلاً يقضي ببيع الدولار على منصة “صيرفة” بشكل مستمر ومفتوح مقابل سعر “صيرفة” الذي كان آنذاك 90 ألف ليرة لبنانية. في ذلك الحين، إنخفض سعر الدولار في السوق “ضربة واحدة” أكثر من 40 ألف ليرة، فوصل إلى حدود الـ107 آلاف ليرة. هنا، ما الذي يمكن أن يُفسر الإنخفاض الذي حصل خلال دقائق قليلة بعد صدور الخبر؟ هل حصل جميع المواطنين على دولاراتهم عبر “صيرفة” في نفس الوقت؟ هل تقاطرت شاحنات العملة الصعبة إلى السوق وأفرغت حمولتها لدى الصرّافين؟ الأكيدُ لا.. وحقاً لم يحصل ذلك، لكن ما جرى هو أنّ أي قرار يأخذه

مصرف لبنان سيؤثر بشكلٍ نفسي على السّوق مهما كانت إرتفاع الدولار كبيراً.

إنطلاقاً من كل ذلك، فإنّ إبقاء “صيرفة” قيد العمل يعني 3 أمور: إستمرار أداة التدخل الفعلية عبر المصارف، إبقاء العامل النفسي المؤثر قائماً، استمرارُ مصرف لبنان بأداء دوره كلاعبٍ أساسيّ مهمّ في السوق. وبالتالي، فإن إلغاء “صيرفة” سيعني إخراج البنك المركزي من سوق الدولار، وبالتالي تكريس المضاربات بشكلٍ كبير، ومن هناك سيبدأ الإنهيار الأكبر. لهذا، فإنّ هذه العوامل تتكامل مع بعضها البعض، ومن خلالها تمكن مصرف لبنان من السيطرة على السوق متى ما أراد.

ما لا يُمكن إغفاله أيضاً هو أنَّ حجم التداول على “صيرفة” خلال الأيام الماضية شهد انخفاضاً بارزاً، فالإستفادة منها غير قائمة لدى المصارف حالياً. ورغم ذلك، فإنّ سعر الدولار لم يرتفع، بل على العكس انخفضَ بشكلٍ ملحوظ.. فما الذي يُفسّر ذلك؟ حتماً، الجانب النفسي هو الذي يلعب دوراً هنا، فطالما انتفى الحديثُ عن إلغاء “صيرفة”، طالما بقي السوق مُتأهباً لتدخل البنك المركزي في أي لحظة حتى وإن لم يكن التداول كبيراً عبر المنصة المذكورة.

في خلاصة القول، تبقى “صيرفة” أداةً مطلوبة في الوقت الرّاهن، ويمكن إتباعها بسلسلةٍ من التعديلات المطلوبة إفساحاً لشفافية مفقودة في عهد سلامة.. فهل سيُحافظ نواب الحاكم على ما أسّسهُ الأخير و”يشتغلوا بالموجود” أم هل سيجنحون باتجاه أدواتٍ أخرى غير معروفة التوجه ويمكن أن تثير بلبلةً في السوق؟ كل الأمور واردة، وبعد 31 تموز، مرحلة أخرى ويومٌ آخر… فلننتظر…

شارك الخبر: