حركة رئاسية… ومهمة اللجنة الخماسية فرصة لا تتكرر
جاء في “الجمهورية”:
أقرّ المجلس النيابي موازنة، اتفق خبراء المال والاقتصاد على أنها اسم كبير إنما على غير مسمّى، ومُفتقدة للحدّ الادنى من العلاجات المطلوبة للأزمة بوجوهها المالية والاقتصادية والمعيشية، فيما البحث العبثي ما يزال جارياً على مفتاح الحل الرئاسي الضائع منذ 15 شهراً في دهليز التناقضات السياسيّة. وفي موازاة ذلك، تسابق التطوّرات الحربية بوتيرة متسارعة على امتداد الحدود الجنوبية، محاولات خفض التصعيد، والمخاوف الدولية من تصاعد التهديدات الاسرائيلية، وانزلاق الامور الى حرب واسعة لا حدود لها.
على الضفة السياسيّة، جهدٌ متجدّد للجنة الخماسيّة لفتح الباب الرئاسي، مَقرون برسالة مباشرة سعى سفراء دول اللجنة في لبنان الى توجيهها الى المعنيين بهذا الملف، لتُظهر من جهة جديّة اللجنة في الدفع السريع نحو انتخاب رئيس للجمهورية، ولتؤكد من جهة ثانية انّ «الخماسية» على موقف واحد لا يشوبه ايّ تباين بين أعضائها. وهو ما تشدّد عليه مصادر السفراء لـ»الجمهورية»، لتلقي بذلك مهمّة إنجاح مهمة اللجنة على الأطراف اللبنانيّين، الذين عليهم، وقبل كلّ شيء ادراك الحاجة الملحّة للبنان في هذه المرحلة الصعبة، لانتخاب رئيس للجمهورية واعادة انتظام الحياة السياسية والانطلاق في مسار العلاجات التي تمكّنه من تخطي صعوبات أزمته الاقتصادية والمالية.
هل من صفقة؟
وفي انتظار استكمال مهمّة السفراء في بيروت، تبدو أطراف الداخل غائبة عن الصّورة تماماً، ومعلومات «الجمهورية» من مصادر موثوقة تؤكد انّه على الرغم من التأكيدات التي عبّر عنها السفير السعودي في لبنان وليد البخاري والسفير المصري علاء موسى بأنّ الجهد الاساس هو مساعدة اللبنانيين على التوافق فيما بينهم على رئيس للجمهورية، فإن بعض الاطراف سَعَت الى أن تطرق باب السفراء لتلمّس مضامين مهمة اللجنة، وفي ايّ اتجاه ستتحرك في المرحلة المقبلة، حيث كان جلياً انّ هذه الاطراف قد ساورها القلق من «صفقة ما» يجري إنضاجها في الغرف المغلقة، ومبعث القلق لدى هذه الاطراف هو ما بَدا انه تحوّل في موقف وليد جنبلاط وإعلانه عدم ممانعته في انتخاب رئيس تيار المردة سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية، حيث رسمَ هؤلاء علامات استفهام حول تَزامن هذا التحوّل في موقف جنبلاط مع مباشرة اللجنة الخماسية التحضير لحراكها المتجدد حول الملف الرئاسي.
على أن منطق الصفقة لا ينطبق على حراك السفراء في بيروت، وفق معطيات مطّلعين عن كثب على تفاصيل الحراكات، حيث اكد هؤلاء لـ«الجمهورية» أنّ «جوهر ما يقوم به السّفراء، والتحرّك وفق ما سمّوها توجّهات اللجنة الخماسية، الرامية الى توفير فرصة جديدة للبنانيين لانتخاب رئيس من دون ان يكون لها دور في تزكية اي اسم لرئيس الجمهورية. وليس اكثر من ذلك، وبمعنى أوضح فرصة للتوافق، بعيداً عن منطق الفرض والصفقات، كاشفة انّ حركة الموفد القطري في بيروت منذ ايام قليلة تَصبّ في هذا الاتجاه، وقد عقد لقاءات وُصِفت بالايجابية والجيدة على خط ثنائي حركة «أمل» و»حزب الله» وآخرين».
لا تملك معجزة
واذا كانت اوساط مراقبة تلاحِظ في المشهد السياسي «نقزة» من جهات سيادية وتغييرية من تقدّم فرنجية خطوات الى الامام، بعدما ارتفعت نسبة الاصوات التي ينطلق منها من 51 صوتاً الى 60 بانضمام اللقاء الديموقراطي الى الخط الداعم لانتخابه، فإنّ مرجعاً مسؤولاً أبلغ الى «الجمهورية» قوله رداً على سؤال حول هذا الامر: بداية، ليس غريباً أن تستفزّ الحراكات، ليس فقط حراك اللجنة الخماسية، بل أي حراكات، معطّلي الانتخابات الرئاسية ورافضي التوافق، لتعارضها مع حساباتهم ومصالحهم واستثماراتهم السياسية والشعبوية على الفراغ في سدة الرئاسة. وثانياً، النسبة من الاصوات التي بات يحظى بها الوزير فرنجية هي ممتازة، وتؤكّد بلا ادنى شك انه المرشح الوحيد الاقوى، ولكن تبقى العبرة في إتمام نصاب الـ86 نائباً، أي نصاب الانعقاد والانتخاب في الجلسة الرئاسية، هنا تكمن المعضلة الاساس، حيث لا سبيل الى حلها حتى الآن.
وبحسب المرجع عينه فإنّ «العالم كله، وعلى وجه الخصوص دول اللجنة الخماسية، مُدركة لاستحالة فرض رئيس للجمهورية من الخارج»، وكشفَ أن «الموفدين قالوا لنا انهم لا يملكون لا معجزات ولا فوانيس سحرية، ولا يُزكّون مرشحا بعينه، بل يريدون المساعدة. وهذا امر جيد، ولكن هذه المساعدة لكي يكون لها مردود، يجب ان تنتقل من الحراكات السابقة – والسيد جان ايف لودريان استطلَع حول الخيارات والمواصفات والتوجهات بما فيه الكفاية ولديه الصورة كاملة – الى الخطوة التالية، أي ان تضع اللجنة الخماسية ثقلها في محاولة إنزال بعض الاطراف عن اشجارهم، وإقناعهم بالذهاب الى جلسة انتخاب الرئيس، مع تأكيد التزامهم بتوفير نصاب الثلثين للانعقاد والانتخاب. وفي هذه الحالة لن يتأخر رئيس المجلس النيابي نبيه بري في الدعوة الى جلسة لانتخاب رئيس من بين الاسماء المتداولة، وليربح من يربح.
لا نصاب
على انّ اللافت في موازاة ذلك، هو أنّ فرضية توفير نصاب انعقاد جلسة الانتخاب، وكذلك نصاب انتخاب الرئيس غير واقعية حتى الآن، بل انّ ذلك متوقّف على الطرفين المسيحيين الاساسيين مُجتمعين، او على طرف واحد منهما، ولكن ذلك ليس ممكنا، بل مستحيل ربطا بالاشتراطات العالية السقف لكل من «التيار الوطني الحر»، الداعي الى توافق رئيس للجمهورية وفق توجهاته، وحزب «القوات اللبنانية» مع حلفائه في خط السيادة والتغيير، الذين يريدون رئيساً من ضمن هذا الخط، او يُماشيه، ويرفضون توفير فرصة انعقاد جلسة انتخابية لمجلس النواب قد تُفضي الى انتخاب رئيس ممّن يعتبرونه فريق الممانعة.
تحذير من تفويت الفرصة
الى ذلك، علمت «الجمهورية» أنّ لقاءً تشاورياً عقد بين مجموعة من الاقتصاديين ورجال الاعمال اللبنانيين، وسفير احدى دول اللجنة الخماسية، الذي اكد خلاله على ما حرفيته «انّ لبنان يقف في مفترق صعب حيث ان المخاطر الكبرى تقترب منه بوتيرة سريعة، ما يوجِب عليه اتخاذ أقصى ما يمكنه من تجنيب نفسه حرب قاسية، حيث انّ احتمال أن تُقدم اسرائيل على عمل عسكري واسع ضد لبنان قائم اكثر من اي وقت مضى، ونلمس ذلك سواء عبر القنوات الديبلوماسية المفتوحة مع المسؤولين الاسرائيليين، او عبر ما يطلقونه من تهديدات نحن نأخذها على محمل الجد، علماً ان واشنطن وباريس مارستا ضغوطاً كبرى على اسرائيل، وحالَتا دون عمل مجنون كان الجيش الاسرائيلي بصَدد به القيام ضد لبنان بعد فترة وجيزة من عملية 7 تشرين الأول على مستوطنات غلاف غزة».
وحول الملف الرئاسي، قال السفير المذكور: اللجنة الخماسية قررت استئناف جهودها لمساعدة اللبنانيين على انتخاب رئيس للجمهورية، وتحرّكها المنتظر بعد اجتماعها في الايام المقبلة يشكّل بدايةً لفرصة جديدة امام لبنان لإنهاء ازمته الرئاسية. سيسعى موفد اللجنة جان ايف لودريان لجذب القادة السياسيين في لبنان الى الانخراط فيها، ونحن كدول للجنة الخماسية نعتبرها فرصة ثمينة لهذا البلد، تقرر ان تتاح في هذا الظرف، ينبغي ألّا تفوّت لأنها قد لا تتكرر اذا ما فشلت، خصوصاً انّ اهتمامات الدول وأولوياتها هي في الاصل محصورة في مكان آخر مُمتد من غزة الى اوكرانيا والتطورات الخطيرة المتلاحقة في البحر الاحمر».