أرقامٌ صادمة عن هجرة “قوارب الموت” من لبنان!
كتبت كارولين عاكوم في “الشرق الأوسط”:
عاد موضوع الهجرة غير الشرعية إلى الواجهة في لبنان مع زيارة مستشار الأمن القومي ومدير المخابرات القبرصية تاسوس تزيونيس، بيروت، حيث التقى مسؤولين وبحث كيفية الحد من هذه الظاهرة التي تنشط في لبنان في الفترة الأخيرة عبر عصابات تتولى هذه العمليات مقابل آلاف الدولارات.
وعقد مدير المخابرات القبرصي لقاءات مع رئيس البرلمان نبيه بري، ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، ووزير الخارجية عبد الله بوحبيب، ونائب رئيس البرلمان إلياس بوصعب، وقائد الجيش العماد جوزف عون، والمدير العام للأمن العام اللواء إلياس البيسري. وقال الوزير بوحبيب خلال اللقاء إن «95 في المائة من النازحين السوريين يهاجرون لأسباب اقتصادية، وعلينا معالجة ذلك، بالتعاون مع الدول المشاطئة للبحر الأبيض المتوسط».
ويشكل السوريون النسبة الأكبر من المهاجرين غير الشرعيين من لبنان باتجاه قبرص التي تعد البوابة إلى أوروبا بالنسبة إلى هؤلاء، وهو الأمر الذي يؤرق الاتحاد الأوروبي بشكل أساسي.
وقد أظهرت إحصاءات حصلت عليها «الشرق الأوسط» من مفوضية شؤون اللاجئين في لبنان، مغادرة 59 قارباً من لبنان تحمل على متنها ما يقارب 3528 راكباً، منهم 3298 سورياً، و76 لبنانياً، و5 فلسطينيين، إضافةً إلى 149 شخصاً لم يتم التأكد من جنسيتهم.
وتشير المفوضية إلى أن 29 قارباً (تحمل 1558 شخصاً) وصلت إلى قبرص بنجاح لكن أُعيد ثلاثة منها لاحقاً إلى لبنان، أي 109 ركاب، مشيرةً من جهة أخرى إلى أنه إضافةً إلى هذه القوارب هناك 45 قارباً نقلت مهاجرين غير شرعيين من دون أن يجري التأكد من مكان مغادرتها، ما إذا كان سوريا أو لبنان.
وانطلاقاً من هذه الأرقام، تلفت المفوضية إلى ارتفاع عدد القوارب المهاجرة مقارنةً مع عام 2022، بنسبة 7.3 في المائة مع تسجيل انخفاض في عدد الركاب بنسبة 23.8 في المائة.
ويوضح المحامي بول مرقص، رئيس مؤسسة «جوستيسيا» الحقوقية لـ«الشرق الأوسط» أن هناك اتفاقاً بين لبنان وقبرص حول إعادة قبول الأشخاص المقيمين بشكل غير شرعي، جرت التصديق عليه بموجب القانون رقم 531 سنة 2003 ينصّ في الفقرة الأولى منه على أنه على كل من الطرفين المتعاقدين أن يعيد، بناءً على طلب الطرف المتعاقد الآخر ومن دون أي معاملات، قبول أي شخص لا يفي أو لم يعد يفي بشروط الدخول أو الإقامة المعمول بها على أراضي الطرف المتعاقد…
ومن الجهة القبرصية، يؤكد مرقص أن «السلطات القبرصية ملزمة قانوناً بمنح أي طالب لجوء موضوع قرار الترحيل الوقت الكافي لتقديم الدفاع عن نفسه والاعتراض على قرار ترحيله، وتوضيح أسباب عدم رغبته في العودة إلى بلده الأم ومراجعة القضاء أو البحث عن بلد آخر للانتقال إليه، ذلك لأنه متعلق بالقواعد الإنسانية العامة والمحمية بموجب القانون الدولي، إذ تنصّ المادة 3 من اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب لعام 1948 التي أبرمتها قبرص عام 1991، على أنه (لا يجوز لأي دولة طرف أن تطرد أى شخص أو تعيده أو أن تسلمه لدولة أخرى، إذا توافرت لديها أسباب حقيقية تدعو إلى الاعتقاد أنه سيكون في خطر التعرض للتعذيب، وأن تراعي السلطات المختصة، لتحديد ما إذا كانت هذه الأسباب متوافرة، جميع الاعتبارات ذات الصلة، بما في ذلك، في حالة الانطباق، وجود نمط ثابت من الانتهاكات الفادحة أو الصارخة أو الجماعية لحقوق الإنسان في الدولة المعنية)».
ويلفت من جهة أخرى إلى أنه ووفقاً للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين، «يحق للدول بموجب القانون الدولي طرد الأشخاص الذين يتبين أنهم ليسوا بحاجة إلى حماية دولية وأنه من واجب بلدان الأصل أن تستردّ مواطنيها، لكن ينبغي أن تتم العودة بطريقة إنسانية مع احترام كامل لحقوق الإنسان وكرامته».
وتتوقف متحدثةٌ رسميةٌ في مفوضية شؤون اللاجئين في لبنان عند أسباب سعي اللاجئين السوريين إلى الهجرة، وذلك بناءً على تواصل المفوضية مع الذين جرى اعتراضهم أو إنقاذهم أو إعادتهم إلى لبنان، وتقول لـ«الشرق الأوسط»: «من الواضح أن هذه الرحلات هي رحلات يائسة يقوم بها أشخاص لا يرون أي وسيلة للبقاء على قيد الحياة في لبنان بسبب الوضع الاقتصادي والاجتماعي الذي يتدهور باستمرار. ومن الأسباب الرئيسية التي ذكرها اللاجئون، عدم القدرة على البقاء في لبنان بسبب الوضع الاقتصادي المتدهور، وعدم إمكانية تأمين الخدمات الأساسية (الرعاية الصحية، والتعليم للأطفال… إلخ) ومحدودية فرص العمل في لبنان، إضافةً إلى وجود أقارب أو أفراد مقرّبين في بلد المقصد».
وفي إطار مواجهة عمليات الهجرة غير الشرعية التي تنفذها الأجهزة الأمنية في لبنان، أعلنت قوى الأمن الداخلي، الخميس، توقيف مفرزة زحلة القضائية الرأسَ المدبر لعصابة تعمل على تهريب الأشخاص، وهو من الجنسية السورية ومن مواليد عام 2000، في منزله بمحلة المرج بالبقاع الأوسط، حيث عُثر على جوازات سفر وهويات وإقامات ومستندات شخصية مختلفة لأشخاص سوريين، واعترف بما نُسِبَ إليه لجهة تأليف عصابة تهريب أشخاص من الجنسية السورية وذلك من سوريا إلى لبنان ومنه إلى أوروبا عبر البحر بواسطة قوارب، مقابل مبلغ 3500 دولار أميركي عن كل شخص، وأن الأوراق التي ضُبطت في منزله عائدة لأشخاص سوريين هرّبهم بالاشتراك مع آخرين.