الحرب آتية بطلب من “الحزب”!
سيكون من السهولة في مكان، توقع الارتطام في وقت أي بين قطاري إسرائيل و”الحزب” بدءاً من الجنوب وانتهاء في المدى المفتوح للساحة اللبنانية، كما خبرها هذا البلد في حرب العام 2006
كتب أحمد عياش لـ “هنا لبنان”:
ما قاله البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي في أول عظة له في السنة الجديدة، عكس معضلة لبنان في أخطر مرحلة بتاريخه. فهو وصف ربط استحقاق انتخاب رئيس جديد للجمهورية بـ “وقف الحرب النهائي في غزة” بأنه “أمر مدان وغير مقبول على الإطلاق”.
لكن نائب الأمين العام لـ “حزب الله” الشيخ نعيم قاسم، مضى إلى أبعد بكثير من الانتخابات الرئاسية، عندما ربط مصير السلام في لبنان بغزة. فهو قال ليلة رأس السنة: “نحن اتخذنا قرارانا بأن نكون في حالة حرب ومواجهة على جبهة الجنوب في مواجهة إسرائيل”، حتى تتوقف حرب غزة.
وهكذا، لم يترك “حزب الله” أي مجال لتأويل مسار الأحداث الجارية على الجبهة الجنوبية منذ أن قرر “الحزب” إطلاق المواجهات العسكرية هناك في 8 تشرين الأول الماضي. وهذا التاريخ، هو اليوم التالي لقيام حركة “حماس” بعملية “طوفان الأقصى” في غلاف غزة.
كم يبدو الفارق كبيراً بين أن يعلن الرجل الثاني في “الحزب” أنّ قرار الأخير أن يكون في “حالة حرب”. وبين ما تعلنه إسرائيل في الفترة الأخيرة وبصورة مستمرة أنها ذاهبة فعلاً إلى الحرب ضدّ لبنان. وسيكون من السهولة في مكان، توقع الارتطام في وقت أي بين قطاري إسرائيل و”الحزب” بدءاً من الجنوب وانتهاء في المدى المفتوح للساحة اللبنانية، كما خبرها هذا البلد في حرب العام 2006.
ما يخفف من وطأة هذه الكارثة الوشيكة، الكلام عن تحرك أميركي فرنسي مشترك خلال الشهر الجاري من أجل ترتيب اتفاق حدودي بين لبنان وإسرائيل ينهي النزاع بينهما ويمهد للشروع في تنفيذ القرار 1701. وفي هذا الإطار سيصل وزير الدفاع الفرنسي سيباستيان ليكورنو ووزير الدفاع الأميركي أنتوني بلينكن إلى المنطقة، على أن يتولى الجانب اللبناني مبعوث الرئيس الأميركي آموس هوكشتاين. وتعطي زيارة الأخير لبيروت إشارة إلى أنّ تجربة تسوية النزاع البحري بين لبنان وإسرائيل والتي أنجزها قبل شهور هوكشتاين بنجاح، قد تتكرر في تسوية النزاع على الحدود البرية بين البلدين.
من خلال إجراء مقارنة بين مهمة المبعوث الأميركي السابقة، ومهمته المرتقبة خلال أسبوعين، يتبين أن الظروف التي تحيط بالمهمة الجديدة، تشير إلى أنها أكثر تعقيداً من سابقتها. ولو عدنا بالذاكرة إلى فترة الترسيم البحري، لوجدنا أنّ أقصى حدود التوتر الذي رافق عمل هوكشتاين، هو إطلاق “حزب الله” بضعة مسيرات غير هجومية باتجاه حقل كاريش الغازي في المياه الإقليمية الإسرائيلية على مقربة من المياه اللبنانية. أما اليوم، فسيزور مبعوث الرئيس بايدن لبنان والحدود الجنوبية في حالة تقارب الحرب من حيث العنف والخسائر البشرية والمادية مع نزوح ما يزيد عن 150 ألف لبناني وإسرائيلي من أماكن سكنهم على جانبي الحدود.
وفي المقارنة أيضاً، يتبيّن أنّ “حزب الله” يخوض المواجهات العسكرية ضد إسرائيل منذ أكثر من 80 يوماً، من دون أن يكون تحت أي ضغط داخلي لا سيما من البيئة المتضررة مباشرة من هذه المواجهات، والسبب يعود إلى انتماء المتضررين في غالبيتهم الساحقة إلى طائفة “الحزب”. وفي المقابل، تحوّل نزوح 60 ألف إسرائيلي من مستوطنات شمال الدولة العبرية إلى قضية ضاغطة على حكومة الرئيس بنيامين نتنياهو ما دفعه إلى إطلاق تعهدات صارمة، هو وأركان حكومة الحرب، بأن يجري إعادة هؤلاء النازحين إلى ديارهم بعد فرض انسحاب “حزب الله” من المنطقة جنوب نهر الليطاني. وصار مطلب انسحاب “الحزب” مطلباً رئيسياً له الأولوية لدى إسرائيل على كل المستويات. وبحسب المعلومات التي تراكمت على المستوى الإسرائيلي، يتبيّن أنّ هناك هدفين لا يمكن لإسرائيل أن تتراجع عن بلوغهما هما: إنهاء “حماس” في غزة، وإنهاء “الحزب” في جنوب لبنان.
يدور نقاش واسع في المنطقة وخارجها حول إمكانية بلوغ إسرائيل ما تسعى إليه في غزة والجنوب. لكن على المستوى الميداني، تشير الوقائع إلى أنّ الأحداث تمضي قدماً نحو قلب الأوضاع في القطاع الفلسطيني والجنوب اللبناني.
من المعطيات التي ظهرت حديثاً ما نقلته “رويترز” عن مسؤول إسرائيلي أنّ “بعض القوات التي انسحبت من غزة في الجنوب ستكون مستعدة للتناوب على الحدود الشمالية مع لبنان”. وقال هذا المسؤول: “لن نسمح للوضع على الجبهة اللبنانية بالاستمرار، وفترة الستة أشهر القادمة هي لحظة حرجة. إسرائيل ستنقل رسالة مماثلة إلى المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين الذي يقوم بمهمات مكوكية إلى بيروت”. وانتهى المسؤول نفسه إلى التحذير من أنه “إذا لم يتراجع حزب الله إلى ما وراء الحدود، فإن حرباً شاملة تلوح في الأفق في لبنان”.
ماذا بعد كل هذه المعطيات؟ هناك معلومات تؤكد أنّ فترة الوساطة الأميركية الفرنسية لن تشهد صمت المدافع وسائر الأسلحة. وكما هي الحال في غزة، كذلك هي الحال على الحدود الجنوبية. ومن خلال حصيلة الأحداث منذ أكثر من 80 يوماً، يتبيّن أن لبنان منيَ بخسائر فادحة لا تقارن بخسائر إسرائيل. وعداد الخسائر لا يتوقف عن تسجيلها يومياً. ولنتخيّل كم ستصبح هذه الخسائر إذا ما طالت المفاوضات كي تنتهي الحرب!
ومن المؤكد أيضاً أنّ “حزب الله” أعلن أنه في “حالة حرب”، وفي المقابل، أكدت إسرائيل ولا تزال أنها ذاهبة إلى هذه الحرب. فهل تتغيّر اتجاهات الأحداث فلا تكون الكلمة لـ “الحزب” وإسرائيل على السواء؟ إنها أفضل أمنيات العام الجديد.
المصدر: أحمد عياش – موقع “هنا لبنان”