أسابيع أمنية دقيقة مطلع العام: أكثر من سيناريو محتمل
كتبت اليانا بدران في “داء الوطن”:
“لا تهزّه واقف ع شوار”، قد تكون هذه العبارة هي التوصيف الدقيق للوضع الامني في لبنان في العام 2023. فقد كادت الامور أن تتدهور نحو الاسوأ لأكثر من مرّة في العام المنصرم، والتشابه في الدوافع والعناصر والأهداف ليس صدفة بل وقائع يبيّنها الوقت والتدقيق في المجريات ويبقى الخوف من اتّساع رقعة الحرب الدائرة جنوباً، هو العنوان العريض.
فتيل أمني اشتعل ولم ينطفئ
محطات كثيرة طبعت هذا العام امنياً، وأثارت الخوف في النفوس، كان أوّلها مقتل الشيخ أحمد الرفاعي في شباط الماضي ببلدة القرقف الشمالية، على خلفية خلافات بلدية وعقارية، الأمر الذي أثار توتّراً واسعاً في المنطقة، قبل أن تكشف الأجهزة الأمنية ملابسات الجريمة وتسحب فتيل التوتر من بين الأهالي.
ومع بداية الصيف الذي كان ينتظره الاقتصاد اللبناني ليحاول الوقوف على رجليه من جديد، عاد خلاف عقاري قديم الى الواجهة بين بقاعصفرين وبشري محوره القرنة السوداء، ذهب ضحيّته في الأوّل من تموز شابّان من بشرّي برصاص القنص، ما أشعل المواقف وكادت الامور أن تنحرف نحو الأسوأ بين أهالي المنطقتين، قبل أن يضع القضاء يده على الملف.
في مطلع آب، قتل الياس الحصروني في عين ابل في حادثة أثارت الريبة، بعد أن بيّنت التحقيقات وقائع بشأن استدراجه الى طريق لم يعتد السير عليها واختطافه بسيارته بالاضافة الى وجود آثار ضرب واصابات بالرصاص على الجثة. وبعد مرور شهرين توفيت زوجة الحصروني، أيضاً بحادث سير. لترتفع أصوات تؤكد اغتيال الحصروني بجريمة مدبّرة، وسط مطالبات بالاسراع في التحقيق للكشف عن الجهة المسؤولة عن مقتل الحصروني ودوافعها.
وفي آب أيضاً انقلبت شاحنة محمّلة بالسلاح تبيّن أنها تعود لحزب الله على الطريق العام في الكحالة، وحدث حينها تبادل لاطلاق النار بين عناصر مسلّحة من الحزب وأهالي المنطقة، سقط فيه قتيلان.
حادثة بدورها، أيقظت شبح الحرب الأهلية والانقسام الطائفي، وفي توقيتها تزامنت مع خلافات سياسية واهتزاز العلاقة بين حزب الله ورئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل.
كذلك قوات اليونيفيل كانت هدفاً لسلسة من الاعتداءات في الجنوب، هذا العام، بينها ثلاثة، في الاسابيع الأخيرة من سنة 2023.
أما مخيّم عين الحلوة، فشهد مواجهات متقطّعة طيلة العام، أولى محطّاتها كانت في آذار وآخرها قبل أسابيع من اندلاع المواجهات في غزّة، التي بدأت بعملية “طوفان الاقصى”، ليأتي الردّ الاسرائيلي بأقصى درجات العنف… وسرعان ما تمددت ألسنة النيران نحو الجنوب اللبناني، بعدما تحرّك “حزب الله”، وفصائل مسلّحة أخرى، لاستهداف الجيش الإسرائيلي، دعماً لغزة.
وبعدما اهتزّ أمن لبنان أكثر من مرة في العام 2023، هل من احتمال لتوسّع الحرب في الجنوب، الى مناطق أخرى، أم ستنجح الجهود الديبلوماسية في تجنيب البلاد مرارة كأس الحرب وتحول دون وقوعه في المحظور؟
أولى أسابيع العام الجديد دقيقة جداً
يجمع المراقبون، على أنّ ما قبل السابع من تشرين الأوّل ليس كما بعده، لا في غزّة ولا في الداخل الاسرائيلي ولا حتّى في المنطقة ككل. ويرى البعض، أنّ إعادة التموضع آتية لا محالة، كنتيجة لنهاية المواجهات والطريق نحو النهاية قد لا يكون طويلاً، إلا أن أحداً لا يمكنه أن يتنبّأ بالآتي ولا بأي توقيت.
وهنا يشرح الخبير الاستراتيجي العميد المتقاعد هشام جابر في حديث لموقع “نداء الوطن” الالكتروني، أنّه “على الرغم من الاستفزازات التي تقوم بها اسرائيل في جنوب لبنان والمحاولات المستمرّة لاستدراج حزب الله كي يكون المبادر الى توسيع جبهة المواجهات، إلا أن الحزب مصرّ على إبقاء تحرّكاته في إطار الردّ على الضربات الاسرائيلية فقط. وبرفضه أن يكون البادئ بالحرب، يراعي حزب الله الوضع اللبناني ويرفض تحمّل مسؤولية الدمار الذي يمكن أن يحصل داخلياً في حال توسّعت دائرة المواجهة، خاصّة في ظل التنبيهات الأميركية والتحذيرات من مغبّة اشعال الجبهة وامكانية استهداف مواقع عسكرية للحزب في الداخل اللبناني”.
ونبّه جابر من “أنّنا نقف على حافة الهاوية حالياً، والهاوية هي الحرب الواسعة التي لن تكون فقط في الداخل اللبناني وانما ستضمّ دول المنطقة وستتورط أميركا فيها أيضاً بالإضافة الى دول الخليج في ظل ما نشهده في البحر الأحمر”.
وبالتالي يؤكّد جابر أنه “ما من مصلحة لا لحزب الله ولا لايران ولا حتّى للولايات المتّحدة بإشعال الحرب وتوسيع دائرتها”.
ويتابع: “أمّا بالنسبة لإسرائيل، فبسبب وضعها المأزوم داخلياً لا سيما في المنطقة الشمالية وعلى الرغم من إجماع الصحف الاسرائيلية على أن التصعيد هو ضرب من الجنون إلا أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قد يقدم على تحرّك في جنوب لبنان لتحقيق إنجاز ما، ويبقى هذا الاحتمال مستبعداً إلا أنه وارد. وفي هذا الإطار، الأسابيع المقبلة دقيقة جديداً بانتظار التطورات”.
سيناريو محتمل
يتحدّث العميد جابر عن سيناريو قد تلجأ إليه اسرائيل بإقدامها على “استهداف بارجة أميركية واتّهام حزب الله بذلك ما قد يجرّ الولايات المتّحدة على الدخول في المواجهات وحتّى انجلاء الحقيقة يكون حصل ما حصل. خاصّة وان حزب الله كان قد توعّد بالرّد خلال ساعة في حال اختارت اسرائيل المبادرة واستهداف مواقع في الداخل اللبناني عبر اطلاق 5000 صاروخ دقيق”.
ورأى جابر أن “اسرائيل ستغيّر تكتيكها العسكري مطلع العام حتماً، في ظلّ الضغط الدولي عليها وعدم قدرتها على تحقيق اهدافها منذ بداية الحرب وستحوّل الحرب الى مواجهة امنية دقيقة، وقد تقوم باغتيالات بواسطة الطائرات. كما ستعيد تموضع قواتها في غزة لأن بقاءها أصبح مكلفاً جداً.”
نهاية الحرب والقرار 1701
ما زال الهدف الاساسي للحرب بحسب جابر هو “تهجير الفلسطينيين من غزّة. وقد يتحقق في الآتي من الايام بعد إبداء عدد من الدول استعدادها لاستقبال من يرغب بالمغادرة وتأمين خروجه من المنطقة. وستحدث تغيّرات في المنطقة ككل”.
في المقابل، يشدد جابر على أن “أي تغيير استراتيجي من الصعب جداً أن يطال جنوب لبنان”.
ويقول إنه “اذا لم يعد هناك أراضٍ محتلّة فلن يبقى من مبرر لوجود حزب الله المسلّح جنوباً. وهو سبب إضافي لعدم تطبيق القرار 1701. ففي حال وُضعت مزارع شبعا مثلاً تحت رعاية القوات الدولية الى حين ان يثبّت لبنان ملكيته لها ينتفي سبب وجود حزب الله المسلح في المنطقة”.
إذاً يبقى لبنان المُنهك “واقف عالشوار”، بانتظار إخماد نيران المنطقة ليتحدد مصيره، على أمل أن يُؤخذ أمنه بالاعتبار في حسابات نهاية المواجهات.