استنفار دائم بالجنوب: مفاجآت أبعد من خيمة وجدار عازل
كتب منير الربيع في “المدن”:
هل ما يجري في جنوب لبنان يمكن أن يؤدي إلى تصعيد عسكري وأمني؟ لا يكف اللبنانيون عن طرح هذا السؤال، لا سيما في ضوء الاستنفار الدائم والمستمر هناك، وما يرد من توترات بين اللبنانيين من جهة، وقوات الإحتلال الإسرائيلي من جهة أخرى.
لكن كل التحركات، من حيث الشكل والمضمون، تبدو مضبوطة حتى الآن، وتحت سقف معروف من قبل الجميع، لا أحد يريد تجاوزه، ولا تخطيه إلى ما هو غير محسوب، أو قد يؤدي الى اندلاع حرب أو حتى معركة بين الحروب.
وجزء مما يقال لبنانياً أيضاً، إن الاستنفار القائم لا يبدو جدياً إلى حدود بعيدة، طالما انه مضبوط ومعروفة نتائجه.
مناخ تفاوضي
إنها التفسيرات اللبنانية المتعددة في مسارات التحليل السياسي، وتغرق أكثر في سياقات متعددة. فبعضهم يوردها في خانة تثبيت الوقائع على الأرض، تحسباً لأي مفاوضات يطلق عليها مصطلح “ترسيم الحدود البرية”. والبعض الآخر يضعها في خانة إحياء معادلة الجيش والشعب والمقاومة في مواجهة العدو الإسرائيلي. لا يمكن أيضاً إغفال من يذهبون إلى اعتبار ما يجري هو ضمن سياق تسخين إيران لكل جبهات المنطقة، في ظل تعثر مسارات التفاوض النووي بينها وبين الولايات المتحدة، وسط محاولات من قبل جهات إقليمية متعددة تسعى إلى إعادة خلق مناخ تفاوضي. أصحاب هذا الرأي ينظرون إلى ساحات المنطقة كجزء من كل، من غزة الى الضفة الغربية وجنوب لبنان ربطاً بسوريا والعراق ولبنان. فهذه كلها جبهات تحتاج إيران لتسخينها حالياً، في إطار الضغط على واشنطن للوصول إلى تفاهم. وبالتالي، فإن التصعيد في الجنوب لا ينفصل عن التصعيد الذي تعلن عنه جماعات إيرانية في شرق سوريا لاستهداف قاعدة التنف الأميركية.
التخادم المتبادل
آخرون يضعون كل ما يجري في سياق “التخادم المتبادل”، أو اختلاق جو أمني وسياسي وإعلامي متوتر جنوباً، خصوصاً في مواجهة العدو، لتحقيق مكاسب معنوية وسياسية. معنوية بما يتصل بشد العصب واستنفار البيئة والتغاضي عن كل ما له علاقة بأمور معيشية أو حياتية. وسياسية من خلال إعادة معادلة الجيش والشعب والمقاومة و”تقريشها” سياسياً فيما بعد، بالإضافة إلى “مراكمة” الانتصارات وتثبيت الوقائع جنوباً عند حزب الله، والتي ستجعله مفاوضاً أولاً، او أنه بذلك يحاول أن يقدّم الملف اللبناني إلى سلّم أولويات الدول الخارجيةـ ويقول إن التفاوض يحصل معه لا مع غيره.
ووفق قاعدة التخادم المتبادل هذه، والتي يتداولها كثر، يذهبون في التنظير إلى اعتبار أن الحزب يستفيد، كما حكومة نتنياهو ستكون مستفيدة في تعظيم المخاطر على الجبهة الشمالية، ورفع منسوب التوتر مع لبنان ومع الحزب تحديداً، وهو ما يستدعي لحمة وطنية واستنفاراً عسكرياً وأمنياً لمواجهة هذه المخاطر، خصوصاً ان الفترات الماضية كانت قد حفلت بالكثير من التجارب باللجوء إلى خوض معارك مع قوى عدوة، للإلتفاف على الأزمات السياسية الداخلية.
احتمال المفاجأة
في كل الأحوال، وبعيداً عن كل هذه التحليلات والتنظيرات، وبغض النظر عن ماهية المصطلحات التي يتم إطلاقها حول ما يجري، وإذا كانت تتصل بـ”ترسيم الحدود البرية”، فإن الترسيم منجز منذ العشرينيات ومثبت في اتفاقية الهدنة، فيما الحاجة هي لتثبيت بعض النقاط والتي أصبحت معروفة. علماً ان لبنان الرسمي هو الذي دعا إلى ترسيم تلك الحدود. وجاء ذلك بعد نصب حزب الله لخيمتين في تلال كفرشوبا، ما استدعى رداً من العدو الإسرائيلي بتسييج الجزء الشمالي من بلدة الغجر، وضمها، كما استمر الاستنفار، ما دفع بإسرائيل لإنشاء جدار عازل، يرفض لبنان مروره في بعض النقاط، وألزم الإسرائيليين على التراجع، ومن بينها ما جرى في كفرشوبا يوم الخميس.
تبقى المسألة في مكان آخر، على الرغم من كل هذه التحليلات. إلا أن المعلومات تفيد بأن حزب الله حسم مسألة بقاء الخيمتين، وأن هناك إمكانية لزيادة أعدادها في المرحلة المقبلة. وهذه الخيم قد تتحول إلى مخيم، وقد يتطور الأمر لاستخدام الإسمنت وبناء غرف جاهزة. خصوصاً أن وتيرة حركة الحزب توحي بذلك.
لتبقى التساؤلات الأساسية التي تدور في عقول سياسيين وديبلوماسيين وعسكريين في لبنان وخارجه، حول ما يخفيه الحزب وراء هذه الخطوات. إذ أن التحركات لا يمكن أن تكون مقتصرة على ذلك، وما هو فوق الأرض مختلف عن ما تحتها. ذلك يدفع الكثيرين إلى إبقاء في حساباتهم إمكانية حصول أي مفاجأة.