بعدما تسبب بخسارة حرب 67 والجولان.. هكذا أعدمت سوريا أحد الجواسيس
كتب موقع “العربية”: خلال فترة الحرب الباردة، لعب الجواسيس من كلا المعسكرين الشرقي والغربي، دورا هاما في نقل المعلومات الحساسة وتزويد دولهم بمختلف الخطط والتكنولوجيا. فبفضل عدد من جواسيسها المتمركزين على الأراضي الأميركية والبريطانية، تمكن السوفييت من نهب تقارير التكنولوجيا النووية ليتمكنوا خلال بضع سنوات من تطوير قنابلهم الذرية والهيدروجينية.
وبالصراع العربي الإسرائيلي، كان للجواسيس دور هام في نقل المعلومات. فخلال حرب 1967، مثلت التقارير التي قدّمها الجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين غنيمة ثمينة للإسرائيليين الذين تمكنوا بفضلها من حسم هذه الحرب بشكل سريع.
هوية مزورة والسفر للأرجنتين
ولد إيلي كوهين بمدينة الإسكندرية المصرية يوم 6 كانون الأول 1924. وبفضل إتقانه للغات العربية والفرنسية والإنكليزية، انتدب الأخير للعمل لصالح المخابرات الإسرائيلية التي كلفته بادئ الأمر بمهام تجسس داخل الأراضي المصرية تزامنا مع إزاحة الملك فاروق وتولي جمال عبد الناصر زمام الأمور بالبلاد. وخلال العام 1955، انتقل الأخير لفترة وجيزة لإسرائيل أين تلقى تدريبا سريعا قبل أن يعود مرة ثانية لمصر.
عقب العدوان الثلاثي، طرد إيلي كوهين، رفقة العديد من اليهود الذين انتموا للمنظمة الصهيونية، من مصر. وبسبب ذلك، انتقل هذا الجاسوس للعيش بإسرائيل وعمل لوهلة بمجال الترجمة قبل أن ينتدب مرة ثانية لصالح المخابرات الإسرائيلية عام 1960 عقب مطلب شخصي تقدم به للمسؤولين الإسرائيليين.
وخلال أولى المهام الرسمية عقب إعادة انتدابه، حصل إيلي كوهين على هوية مزيفة ولقّب بكامل أمين ثابت تزامنا مع إرساله نحو الأرجنتين للتجسس على الجالية العربية المقيمة بهذا البلد. وهنالك، انتحل هذا الجاسوس الإسرائيلي صفة بائع أثاث دمشقي وأصبح صديقا مقربا من أمين الحافظ الذي شغل فيما بعد مناصب سيادية بالداخلية والدفاع السورية قبل أن يصبح رئيسا للبلاد ما بين عامي 1963 و1966.
معلومات خطيرة وكشف هوية
بعد مضي سنة واحدة عن رحلته نحو الأرجنتين، كلّف إيلي كوهين بمهمة ثانية داخل الأراضي السورية. وعلى إثر ذلك، غادر الأخير الأرجنتين باتجاه سوريا. أثناء، فترة عمله بسوريا، تقرب إيلي كوهين، اعتمادا على علاقاته وهويته المزورة، من العديد من كبار السياسيين زمن الجمهورية السورية الأولى والجمهورية العربية المتحدة. وبتلك الفترة، قدّم هذا الجاسوس العديد من المعلومات حول الأسلحة السورية وهضبة الجولان ومواقع الجيش السوري وأسماء الطيّارين. فضلا عن ذلك، لعب الأخير دورا هاما في تقديم معلومات للمخابرات الإسرائيلية عن المسؤول النازي السابق ألويز بورنر (Alois Brunner) المقيم بسوريا. وبسبب ذلك، نفذت إسرائيل محاولة اغتيال فاشلة ضد هذا المسؤول النازي السابق المتهم بالمشاركة في سياسة الحل النهائي لمسألة اليهود بأوروبا أثناء الحرب العالمية الثانية.
مع نجاح انقلاب 1963 بسوريا، شغل الكولونيل أحمد سويداني دورا هاما بالمخابرات السورية. وفي الأثناء، تحمّل الأخير بكره وحذر شديد تجاه إيلي كوهين الذي كان مقربا من مسؤولي الجمهورية السورية الأولى. وانطلاقا من ذلك، فقد إيلي كوهين بشكل تدريجي مكانته وتخوّف من إمكانية الإطاحة به وكشف هويته. وبآخر زيارة سرية لإسرائيل خلال شهر تشرين الثاني 1964، نقل كوهين مخاوفه للمسؤولين الإسرائيليين الذين اتجهوا لطمأنته تزامنا مع مطالبتهم له بالعودة مرة أخيرة لسوريا.
خلال شهر كانون الثاني 1965، استخدمت المخابرات السورية، بمساعدة خبراء سوفييت، معدات سوفيتية مخصصة لكشف إرسالات الراديو بهدف الإطاحة بجواسيس إسرائيليين على الأراضي السورية. وبمحض الصدفة، لاحظ السوريون إشارات راديو صادرة من مكان إقامة إيلي كوهين. وعلى إثر ذلك، تمت الإطاحة بالأخير، الذي استعد للانتحار لحظة القبض عليه، تزامنا مع كشف هويته الحقيقية وطبيعة أنشطته.
حسب عدد من التقارير المصرية، كان إيلي كوهين تحت المراقبة حيث تعرف عليه بعض المسؤولين المصريين بسبب أنشطته السابقة بالإسكندرية أثناء إقامته بمصر. فضلا عن ذلك، تحدثت تقارير أخرى عن وجود شكوك حوله بسبب مشاهدة عدد من الجواسيس المصريين لشخص يشبهه بعدد من الاجتماعات للمسؤولين الإسرائيليين.
وعلى الرغم من مناشدات تقدمت بها الفاتيكان وكندا وبلجيكا وفرنسا وعروض إسرائيلية بمقايضته مقابل مبالغ مالية هامة، أعدمت سوريا الجاسوس إيلي كوهين شنقا يوم 18 أيار 1965 بساحة المرجة بدمشق. وقد ظلت جثته معلقة لساعات قبل دفنها تحت رقابة أمنية مشددة.
خلال العقود التالية، حاولت إسرائيل أكثر من مرة استعادة رفات إيلي كوهين. وفي الأثناء، تحدثت السلطات السورية عن نقل الرفات وإعادة دفنها مرات عدّة لتجنب استعادة الإسرائيليين لها بعملية خاصة.
خلال الأشهر التالية، لعبت المعلومات التي قدّمها إيلي كوهين دورا هاما في حسم حرب 1967 على الجبهة السورية. فاعتمادا على ما قدمه كوهين، دمرت إسرائيل بشكل مباغت البنية التحتية للجيش السوري، وتمكنت من احتلال هضبة الجولان بيومين فقط.