قطبة مخفيّة أرجأت إجتماع الحكومة
كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:
أرجئت جلسة مجلس الوزراء التي كان مقرراً انعقادها أمس في السراي لعدم اكتمال النصاب. وفي الأسباب المعلنة، أنّ زحمة سير خانقة تسببت بتأخير وصول عدد من الوزراء ما حال دون التئام الجلسة وتقرّر تأجيلها، ربما للأسبوع المقبل. حاول كل وزير من الوزراء المحسوبين على فريق سياسي معيّن التنصل من تهمة التغيّب بقصد افشال انعقاد الجلسة كي لا يتحمل تبعات التهرب من قرار التمديد لقائد الجيش العماد جوزاف عون.
ولكن لم تسلك حجة تأخّر الوزراء طريقها إلى التبرير فبقيت الشكوك وعلامات الإستفهام تطرح حول الجهة التي أوصت بفرط الجلسة قبل انعقادها تجنباً لاتخاذ رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي قراره بإرجاء تسريح قائد الجيش ستة أشهر واستمراره في مهماته التي تنتهي بعد نحو شهر ونصف تقريباً.
لا يريد ميقاتي تجرّع الكأس بمفرده ويحاول قدر الإمكان جلب الكل إلى ملعبه كي يكونوا شركاء في القرار بعدما أقفل رئيس مجلس النواب نبيه بري أبواب البرلمان أمام التمديد، واشترط على نواب «القوات اللبنانية» لعرض مشروعهم لإقراره أمام المجلس موافقتهم على جدول أعمال الجلسات التشريعية كلها، وإلا ليس أمامهم سوى الحكومة ورئيسها كي يأخذ القرار على عاتقه، وإلا فكل الطرق مقطوعة بما فيها تقديم وزير الدفاع موريس سليم اقتراحاً في هذا الشأن.
أرجئت الجلسة قبل دقائق من موعدها فاعتبر بعض الوزراء أنّ القصد هو التأجيل، وإلّا لكان انعقادها أرجئ بعض الوقت ليتأمن النصاب أو لكانت عقدت بعد الظهر. ولا يستبعد مصدر وزاري وجود قطبة مخفية، ويقول إنّ جدول الأعمال لم يتضمّن بنوداً خلافية باستثناء البند المتعلق بمناقصة البريد، مستبعداً أن يكون موضوع التمديد لقائد الجيش سيطرح من خارج جدول الأعمال، لأنّ الأمر لا يزال خاضعاً للنقاش خلف الكواليس ولم يتم بعد الإتفاق على المخرج المناسب. ورغم ذلك لم يستبعد مصدر حكومي أن يكون سبب تفشيل انعقاد الجلسة تجنّب طرح التمديد بطلب من رئيس الحكومة.
وقالت مصادر أخرى إنّ العمل جارٍ على تسوية شاملة بالاتفاق مع رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل تعيد الوزراء المحسوبين عليه لحضور الجلسة فيتم إقرار تأجيل التسريح بموافقة الجميع.
ومن الوقائع التي شهدها يوم أمس يمكن الاستنتاج أنّ أبواب التمديد للعماد عون مقفلة حكومياً ما لم يتم بالتوافق مع كل الأطراف على ما أبلغ ميقاتي الوزراء في جلسة تشاور بدلاً من جلسة لم تنعقد، كما أبواب مجلس النواب، وأنّ تعطيل الجلسات لم يعد متوقفاً على «التيار» أو «الثنائي»، إذ يمكن المواربة كأن يتغيب مثلاً وزير محسوب على رئيس الحكومة أي سعادة الشامي أو وزير الإقتصاد أمين سلام ويتأخر عن حضورها وزير ثالث محسوب على الثنائي. يمكن فهم حالات التغيب التي حصلت على أنّها توزيع أدوار لتأجيل بتّ التمديد ريثما تنضج الاتصالات، وأنّ «الثنائي الذي خسر باسيل في معركة الاصلاح وخيّب أمله لا يريد خسارته مجدداً في معركة التمديد التي يعارضها».
وربما كان للإقليم دوره في التمديد بدليل عدم التفات الأميركيين إلى رئاسة الجمهورية بقدر اهتمامهم بالتمديد لقائد الجيش لئلا يقع الجيش في الفراغ. لحسابات التمديد ارتباطات خارجية وداخلية لم ينفِها الأميركي وأطراف في الداخل. عدم موافقة وليد جنبلاط على الفراغ ومعارضته تعيين رئيس أركان من طائفة الموحدين الدروز لتولّي مهمات القائد ذات أبعاد متصلة بالحرب التي تشنها إسرائيل، ولإعتبارات درزية معينة يرفض جنبلاط تولي رئيس الأركان قيادة المؤسسة العسكرية.
وتخوّفت مصادر وزارية من أن يخضع التمديد للنقاش ذاته الذي شهدناه حول التمديد للمدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، وانتهى بتعيين مدير بالإنابة، أي أن يتم تبادل كرة اللهب بين المجلس والحكومة إلى أن تنتهي المهلة الدستورية بلا مخرج. واستغربت تكليف الأمين العام لمجلس الوزراء محمود مكية إعداد مخرج قانوني، وهو ليس هيئة استشارية ولا عضواً في مجلس شورى الدولة، ولا صفة قانونية تخوّله إعداد دراسة قانونية. وختمت إنّ مشكلة التمديد تكمن في أنّ مجلس النواب يحيلها الى الحكومة التي تريد إشراكه في المسؤولية، فمن سيكون «بيسري قيادة الجيش بالإنابة»؟ وما سيكون عليه موقف الأميركيين؟ وما صحة ما تردد عن أنّ البطريرك بشارة الراعي أرسل الأب عبده ابو كسم إلى الرئيس نبيه بري، مستمزجاً رأيه، فأكد له تأييده التمديد، لكن في مجلس الوزراء؟