تقرير لـ”Financial Times”: هكذا أخطأت المخابرات الاسرائيلية بقراءة هجوم حماس
في السابع من تشرين الأول، شنت حماس أعنف هجوم لها على إسرائيل. ففي حوالى الساعة 6:30 صباحًا، قام أكثر من 1500 من مقاتلي الحركة بتدمير الاتصالات الحدودية الإسرائيلية بطائرات مسيّرة محمّلة بالمتفجرات، واخترقوا الحواجز الأمنية بالجرافات، وداهموا الأراضي الإسرائيلية بالدراجات النارية والطائرات الشراعية.
وبحسب مجلة “Financial Times” البريطانية، “أدى الهجوم المتزامن إلى تحطيم ثقة إسرائيل بجيشها وأجهزتها الاستخباراتية. ولم يقتصر الأمر على فشلهم في تتبع ما كان يخطط له أحد أعدائها الرئيسيين، بل تجاهلوا تحذيرات متعددة مفادها أن حماس كانت تستعد لهجوم كبير، غالبًا على مرأى من الجميع. وقال رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت إن إسرائيل عانت من “الثقة المفرطة التي أدت إلى الغطرسة، مما أدى إلى الرضا عن النفس”. وأضاف: “لقد فعلت بنا حماس ما نفعله عادة: المفاجأة، والذكاء، والتفكير خارج الصندوق”. في الواقع، ساهمت عوامل كثيرة في الفشل، وقد لا تتكشف نتائج التحقيق الكامل في كارثة الاستخبارات إلا بعد سنوات، لكنها بدأت بالفعل في تشكيل الحملة العسكرية بهدف “تدمير” حماس، العدو الذي أدركت أنها لم تعد قادرة على احتوائه”.
وتابعت المجلة، “قال مسؤول إسرائيلي كبير إنه “حتى في ليلة الهجوم، شعرنا أن شيئًا ما كان يحدث، لكن التفسير كان أنه مجرد مناورة عسكرية منتظمة لحماس”. وأضاف: “لقد عانت استخباراتنا من خلل أساسي”. ويعود ذلك جزئياً إلى أن أجهزة الأمن الإسرائيلية استخفت بقدرة حماس على شن مثل هذه العملية الواسعة النطاق مع كل الإجراءات الأمنية العملياتية المشددة والتخطيط المنضبط والمعرفة التفصيلية بالتضاريس الإسرائيلية التي تتطلبها. وقال السير أليكس يونغر، الرئيس السابق لجهاز المخابرات الخارجية البريطاني MI6: “إن الإدراك المتأخر أمر رائع، ولكن يبدو أن الفشل الكبير في إسرائيل تمثل في افتقارها إلى الخيال، كما كان الحال مع أحداث 11 أيلول”. وأضاف: “هناك دائمًا خطر الخلط بين ما تريد وما هو موجود بالفعل.. وقد شعرت إسرائيل أن حماس قد تم تجريدها من المخاطر”.”
وأضافت المجلة، “لقد ارتكبت إسرائيل خطأ مماثلاً قبل 50 عاماً بالضبط، قبل حرب يوم الغفران ضد مصر وسوريا، عندما اعتقدت خطأً أن الدول العربية لن تهاجم أبداً بسبب قوتها العسكرية. ولكن حصل تطور تاريخي إضافي في هجوم هذا العام، والذي قارنته إسرائيل في كثير من الأحيان بهجمات 11 أيلول 2001 على أميركا. وفي التقرير الرسمي الذي صدر عن الحكومة الأميركية بشأن الهجمات آنذاك، أعربت الحكومة عن أسفها لأن أي مسؤول أمني لم يتوقع أن يستخدم الإرهابيون الطائرات لخرق المباني الأميركية”.
وبحسب المجلة، “على نحو مماثل، قبل أن تشن حماس هجومها في السابع من تشرين الأول، رفض آفي يسسخاروف، الذي شارك في تأليف المسلسل التلفزيوني الإسرائيلي الشهير “فوضى”، مخططاً محتملاً لإحدى الحلقات التي اقتحم فيها مقاتلو حماس السياج الحدودي وهاجموا إسرائيل، معتبراً ذلك غير قابل للتصديق، وقال: “ما هي احتمالات أن يتمكن العشرات، ناهيك عن الآلاف، من القيام بذلك من دون أن تكون المخابرات العسكرية أو الشاباك على علم بذلك؟ دعونا نمضي قدمًا ونجد شيئًا أكثر واقعية”.”
وتابعت المجلة، “أما السبب الثاني لفشل إسرائيل هو ما وصفه أحد المسؤولين الغربيين بـ”الغطرسة التكنولوجية”، وهو الإيمان بأن التكنولوجيا المتقدمة، مثل الطائرات المسيّرة التي تتنصت على غزة والسياج المجهز بأجهزة استشعار والذي يحيط بالقطاع، سوف تتفوق على قدرات حماس التكنولوجية الأكثر محدودية. لسنوات عديدة، ساعد هذا جيش الدفاع الإسرائيلي على إحباط كل خروقات الحدود باستثناء عدد قليل منها، لكنه ولّد إحساسًا زائفًا بالأمان، كما قال مسؤول أمني غربي آخر”.
وأضافت المجلة، “توقفت وحدة استخبارات الإشارات العسكرية الإسرائيلية 8200 مؤخرًا عن التنصت على أجهزة الراديو المحمولة التي يستخدمها مسلحو حماس بعد أن اعتبروا ذلك مضيعة للوقت، وفقًا لصحيفة نيويورك تايمز. والمشكلة الأخرى هي أنه في حين أن أساليب المراقبة الإسرائيلية العالية التقنية يمكن أن تنتج كميات كبيرة من المعلومات الاستخبارية التكتيكية العالية الجودة، إلا أنها أقل جودة في الكشف عن الإستراتيجية أو نوايا القيادة، وهو ما يشكل التركيز الرئيسي للاستخبارات البشرية”.
وتابعت المجلة، “أما السبب الثالث وراء فشل إسرائيل في توقع هجوم حماس هو أن الاضطرابات السياسية الناجمة عن السياسات الداخلية المثيرة للجدل التي ينتهجها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو كانت سبباً في إضعاف الأمن القومي وتشتيت انتباه أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، وقد استغلت حماس، التي تحكم غزة منذ عام 2007، هذا الأمر. ويتماشى ذلك مع سياسة نتنياهو التي سعت إلى تعزيز حكم حماس في غزة كوسيلة لتقليص مكانة السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية. وحتى عندما كانت حماس تستعد للحرب، ظلت على اتصال يومي مع الحكومة الإسرائيلية بشأن القضايا الدنيوية مثل حصص التصدير وتصاريح العمال. ويؤكد العديد من المسؤولين الإسرائيليين والدوليين أن هؤلاء العمال ساعدوا في جمع المعلومات الاستخبارية”.
وبحسب المجلة، “قامت حماس، بالإضافة إلى ذلك، بوضع الخطط الفعلية للهجوم من قبل مجموعة صغيرة من قادة حماس. إن الدروس التي استخلصها المسؤولون الأمنيون الإسرائيليون من فشلهم في توقع الهجوم لها آثار مميتة. أما النتيجة التي توصلوا إليها هي أن إسرائيل لم يعد بوسعها الاعتماد على المعلومات الاستخباراتية لتوفير إنذار مبكر بشأن الهجمات المقبلة من غزة”.