لا أحد يعرف كيف.. لماذا يصعب “تنظيم التكنولوجيا” الأكثر تدميراً في التاريخ؟
ذكر موقع “سكاي نيوز عربية” أنه يبدو أن “قمة سلامة الذكاء الاصطناعي”، التي استضافتها المملكة المتحدة على مدى يومين الأسبوع الماضي في “بلتشلي بارك” ستدخل التاريخ، كونها المرة الأولى التي يجتمع فيها قادة العالم، لمناقشة الجهود المبذولة لكيفية كبح جماح تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التي ستغير العالم.
وشهدت قمة “سلامة الذكاء الاصطناعي”، قيام 28 حكومة بينها الولايات المتحدة والصين، إلى جانب دول الاتحاد الأوروبي، بالتوقيع على ما يسمى بـ “إعلان بلتشلي” الذي يعترف بالحاجة إلى التعاون الدولي لتحقيق الشفافية والمساءلة في تطوير الذكاء الاصطناعي، وتخفيف المخاطر التي تشكلها هذه التقنية.
وينص “إعلان بلتشلي” على أنه من أجل تحقيق الخير للجميع، ينبغي إنشاء الذكاء الاصطناعي وتطويره ونشره، واستخدامه بطريقة آمنة، بشكل يجعله جديراً بالثقة ويحمّل مشغليه المسؤولية.
وفي الوقت نفسه، أشار الإعلان إلى مخاطر تطوير الذكاء الاصطناعي، من خلال الاعتراف بسلبيات استخدامه بطريقة مؤذية متعمّدة أو عن غير قصد. وأقر الموقعون على الإعلان بوجوب البحث عن فرص، لاستخدام الذكاء الاصطناعي من أجل الخير ولصالح الجميع، بطريقة شاملة على مستوى العالم.
لجم الذكاء الاصطناعي
وتأتي “قمة سلامة الذكاء الاصطناعي” بعدما دخلت مفاوضات الاتحاد الأوروبي في بروكسل، مرحلة محورية في 25 تشرين الأول 2023، حيث سعى المسؤولون إلى وضع اللمسات الأخيرة، على قانون الذكاء الاصطناعي المتوقع أن يقره الاتحاد، بحلول نهاية العام الحالي، والذي يسعى إلى لجم الذكاء الاصطناعي والسيطرة عليه من خلال قواعد ومعايير تنظم استخدامه.
كما أنه وفي الأيام التي سبقت القمة البريطانية، أصدر البيت الأبيض أمراً تنفيذياً يلزم مطوري الذكاء الاصطناعي، بإطلاع الحكومة الأميركية على نتائج إجراءات السلامة، ما يساهم في تعزيز مواصفات السلامة في هذا المجال.
ووسط هذا الزخم العالمي لتنظيم الذكاء الاصطناعي، تبقى المفارقة أن أحداً حتى الساعة في المجتمع الدولي، لا يعرف كيف يمكن السيطرة فعلياً على الذكاء الاصطناعي، وسط تضارب في الآراء بين جميع الأطراف، في وقت يشهد فيه هذا القطاع منافسة شرسة، ستكون السبب في تفلّت الأمور وخروجها عن السيطرة.
لا أحد يعرف كيفية تنظيم الذكاء الاصطناعي
ويقول المحلل في شؤون الذكاء الاصطناعي ألان القارح، في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن السؤال الذي يبذل الجميع، قصارى جهدهم للإجابة عليه الآن هو “كيف يمكن تنظيم الذكاء الاصطناعي وضمان عدم تحوله إلى أداة ضد الإنسانية”، مشيراً إلى أنه حالياً لا أحد يعرف كيف يمكن تحقيق ذلك، فرغم أن هناك قدراً كبيراً من الإرادة السياسية للقيام بشيء ما تجاه هذا الموضوع، إلا أن القرارات التي تم اتخاذها حتى الساعة، تحمل عناوين “فضفاضة”، وليس من الواضح ما هو دورها في كبح جماح الذكاء الاصطناعي.
المنافسة الجامحة تدفع إلى التهوّر
وبحسب القارح فإن “إعلان بلتشلي”، هو كناية عن توصيات وإرشادات غير ملزمة، فرغم أن الإعلان أعطى انطباعاً أن هناك توافقاً عالمياً، على تنفيذ خريطة طريق لضبط مسار تطور الذكاء الاصطناعي بشكل يضمن عدم خروجه عن السيطرة، إلا أنه يجب الأخذ في الاعتبار أن هناك دولاً وشركات، تقول شيئاً في العلن وتفعل عكسه في السر، فأميركا تريد أن تكون الفائزة في سباق تطوير هذه التكنولوجيا، وكذلك أوروبا والصين، وهذه المنافسة الجامحة ستدفع الشركات في هذه الدول، إلى التهوّر، من خلال إطلاق نماذج للذكاء الاصطناعي، يمكن إساءة استخدامها بسهولة، ما يطرح تساؤلات حول جدوى “الالتزامات الطوعية” التي تم التوصل إليها، في وقت يسعى الجميع للفوز بهذا السباق حتى لو تتطلب ذلك القفز على بعض القواعد.
ويرى القارح أنه بالنسبة للمبتدئين، قد تكون القرارات التي تم إتخذاها، بشأن ضبط وتنظيم الذكاء الاصطناعي قوية، ولكن الحقيقة هي عكس ذلك، وهذا الأمر سببه التطور السريع، الذي يشهده الذكاء الاصطناعي، وانتقاله من مرحلة لأخرى بسهولة، حيث لا يكاد يمر يوم، دون أن تعلن شركة عن تحقيقها اختراق جديد في هذه التكنولوجيا، مؤكداً أنه حتى من قاموا بتطوير برامج الذكاء الاصطناعي، لا يمكنهم تحديد ما هي قدرات برامجهم خلال عملية التطوير، ومن هنا فإنهم لا يدركون ما هي المخاطر الناتجة عنها إلا بعد ظهورها للعلن، ووقوعها في أيدي الأشرار، تماماً كما حصل مع العديد من الاختراعات السابقة.
مهمة مستحيلة
ويشرح القارح أن العالم شهد وعلى مرّ التاريخ، ظهور الكثير من الاختراعات لأهداف “نبيلة”، تساعد الإنسان على التقدم، ولكن عند وصول هذه الاختراعات إلى أيدي الأشرار، استطاعوا تحويلها إلى أدوات للسرقة والابتزاز وحتى القتل، وهذا الأمر ينطبق أيضاً على تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، التي ستلاقي مصير العديد من الاختراعات السابقة، فمثلاً شبكة الإنترنت وجدت لمساعدة الناس على القيام بأعمالهم، وتسهيل تواصلهم مع العالم، ولكن بعض الأطراف حولتها إلى أداة للابتزاز والسرقة، عبر تنفيذ الهجمات السيبيرانية، ولذلك فإن تنظيم تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي بنسبة 100 بالمئة، سيكون بمثابة “مهمة مستحيلة” فالحل لعدم تحولها إلى أداة قد يستخدمها الأشرار، كان بعدم ظهورها من الأساس، ووصولها إلى هذه المرحلة من التطور، إلا أن الأوان قد فات.
ووفقاً للقارح فإن من يريد معرفة ما هو السيناريو الذي ينتظرنا، فيما يتعلق بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، عليه أن ينظر لما يحدث اليوم بالنسبة للهجمات السيبرانية، التي تدينها وتحاربها الدول في العلن، ولكنها تموّلها وتغذيها في السرّ، من خلال جيوش إلكترونية.
أسباب عدم القدرة على تنظيم الذكاء الاصطناعي
من جهته، يقول المحلل التقني جوزف زغبي، في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن سبب عدم فهم المجتمع الدولي، لكيفية “تنظيم الذكاء الاصطناعي”، ليس لأنه لا يعرف كيف يمكن القيام بهذا الأمر، بل لأن الأمر مستحيل، وفي كل مرة ستقوم فيها هذه الجهات، بإغلاق ثغرة يمكن استغلالها للتحايل على الضوابط، ستجد أن هناك مئات الثغرات الجديدة التي تظهر، مشيراً إلى أن جميع المعايير التي تم وضعها هي بمثابة تمنيات، وسنجد أن هناك أطرافاً تلتزم بها، مقابل أطرف أخرى تخالفها، وبالتالي ستكون هناك حربٌ مفتوحة بين معسكر الشر ومعسكر الخير، بالنسبة لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي.