تقرير لـ”Financial Times”:هل فقدت روسيا نفوذها على الدول المحيطة بها؟
يشكل عشرات الآلاف من الأشخاص الذين فروا من منازلهم في ناغورنو كاراباخ، وهو إقليم تابع لأذربيجان تسكنه أغلبية من الأرمن، مثالاً قوياً للواقع المحزن الذي “يمكن أن يسود” على منطقة جنوب القوقاز.
وبحسب صحيفة “Financial Times” البريطانية، “في الشهر الماضي، استولت أذربيجان بالقوة على الجيب العرقي الأرمني الذي أعلن استقلاله لأول مرة في عام 1991. وفي الواقع، إن هذا النزوح المأسوي يكشف أيضاً عن حقيقة أخرى: فنتيجة لغزوها الوحشي لأوكرانيا، لم تعد روسيا قادرة على حماية مصالح حتى أقرب شركائها”.
وتابعت الصحيفة، “منذ أن انتصرت أرمينيا في الحرب ضد أذربيجان في عام 1994، واستولت على ناغورنو كاراباخ وبعض المناطق الأذربيجانية المحيطة بها، كان الكرملين هو الضامن لعدم تحول هذا الصراع المجمد إلى حرب كبيرة أخرى. وتُعتبر روسيا حليف أرمينيا من خلال منظمة معاهدة الأمن الجماعي التي تقودها موسكو، كما وتحتفظ بوجود عسكري في البلاد. وفي الوقت نفسه، تتمتع موسكو بعلاقات اقتصادية وأمنية قوية مع أذربيجان ما يوفر لها نفوذاً كبيراً”.
وأضافت الصحيفة، “أخيرا، عملت روسيا بشكل وثيق مع فرنسا والولايات المتحدة من خلال اتفاقية مينسك التي أقرتها الأمم المتحدة، والتي سعت إلى حل الصراع من خلال المحادثات. وعلى الرغم من فشلها في التوصل إلى حل تفاوضي، إلا أن هذه الاتفاقية كانت بمثابة ضمانة بأن قضية ناغورنو كاراباخ لن يتم حلها بالقوة. وعندما سيطرت أذربيجان على الأراضي التي تسيطر عليها أرمينيا وثلث ناغورنو كاراباخ في حرب استمرت 44 يومًا في عام 2020، تمكن الكرملين من تحويل الوضع لصالح روسيا. وقد أدى التدخل الدبلوماسي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى جعل موسكو وسيط القوة الرائد في المنطقة، حيث وضع قوات حفظ السلام الروسية على الأرض لحماية الأرمن في كاراباخ ومراقبة عملية وقف إطلاق النار”.
وبحسب الصحيفة، “لكن في أقل من ثلاث سنوات، تمكن إلهام علييف، رئيس أذربيجان، من التحرك من جديد تحت تهديد السلاح دون معارضة من موسكو. وفي الواقع، إن عدوان بوتين على أوكرانيا هو الذي سمح له بالقيام بذلك. أولا، ليس لدى القوات المسلحة الروسية قوات احتياطية لخوض حرب إقليمية أخرى مع خصم متطور تدعمه تركيا، العضو البارز في حلف شمال الأطلسي. كما ولا يمكن لموسكو أن تدعم أرمينيا إذا قررت الدخول في حرب مع أذربيجان، فقد ظهر ضعف القوات الروسية جلياً في المنطقة خلال العام الماضي عندما شنت أذربيجان هجوماً عسكرياً قصيراً على أرمينيا واكتفى الكرملين بعدم التدخل”.
وتابعت الصحيفة، “منذ بداية غزو أوكرانيا، أصبحت روسيا أكثر اعتماداً على أذربيجان وتركيا، اللتين تلعبان دوراً حيوياً في المخططات المالية واللوجستية الغامضة التي تساعد الكرملين على التهرب من العقوبات الغربية. وهذا يمنح علييف والرئيس التركي رجب طيب أردوغان قدراً إضافياً من النفوذ، وهو ما لا يخجلان من استخدامه لتغيير الحقائق على الأرض. وفي الوقت نفسه، لجأ الاتحاد الأوروبي إلى أذربيجان لاستبدال النفط والغاز الذي لم يعد يرغب في استيراده من روسيا. إن هذه العلاقات تمنح باكو الثقة بأنها ستفلت من العقوبات لاستخدامها القوة في ناغورنو كاراباخ”.
وأضافت الصحيفة، “أخيرا، لم تعد روسيا قادرة على العمل مع الغرب، فقد أصبحت موسكو الآن في منافسة صريحة على النفوذ في جنوب القوقاز. وتخلق هذه المبارزة بين روسيا والغرب مساحة لباكو لاستخدام جيشها دون خوف من رد فعل منسق من ثلاثة أعضاء دائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وفي الوقت الحالي، يحاول الكرملين استخدام الأزمة الحالية للإطاحة برئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان ذي الميول الغربية. وسواء تمكن من الحفاظ على منصبه أم لا، فالعلاقات بين أرمينيا وروسيا تضررت بشدة، كما ويشعر قسم كبير من المجتمع الأرمني بأنه تعرض للخيانة من قبل موسكو. ومع ذلك، لن يكون من السهل على أرمينيا أن تجد طريقاً للمضي قدماً، فعلاقتها مع تركيا غير جيدة تاريخياً، وإيران لا تملك الوسائل اللازمة لتقديم مساعدة ذات معنى، كما وأن موارد الغرب استُنزفت نظراً للالتزامات دوله في أوكرانيا وأماكن أخرى في كل أنحاء العالم”.
وختمت الصحيفة، “هناك أمر واحد واضح وهو أن الدور الذي تلعبه روسيا كموفر للأمن في الدول المجاورة قد تضاءل بشدة نتيجة لحربها الكارثية ضد أوكرانيا”.