تقرير لـ”The Telegraph”: لماذا لم تصنف بريطانيا “الحرس الثوري” منظمة إرهابية؟
يطرح قرار الحكومة البريطانية بتصنيف مجموعة “فاغنر” الروسية كمنظمة إرهابية السؤال الحتمي: لماذا استغرق هذا الأمر كل هذا الوقت خاصة وأن المؤسسات الاستخباراتية والأمنية البريطانية كانت على علم بأنشطة المجموعة.
بحسب صحيفة “The Telegraph” البريطانية، “منذ إنشائها في عام 2014، استخدم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المجموعة لتوسيع نفوذ بلاده في الخارج. كما ولعبت دوراً رئيسياً في احتلال روسيا لشبه جزيرة القرم وشرق أوكرانيا في عام 2014، أضف إلى ذلك، فقد ساعدت “فاغنر” الرئيس السوري بشار الأسد في الحفاظ على موقعه خلال الصراع السوري. وقد أدى تورط المجموعة في أفريقيا إلى اتهامها بارتكاب جرائم حرب مروعة في دول مثل مالي، في حين أنشأت في الوقت نفسه شبكة تهريب مربحة للغاية، مثل مبيعاتها من الذهب الذي حصلت عليه من السودان، وقامت باستخدام العائدات لتمويل الحرب في أوكرانيا”.
وتابعت الصحيفة، “فور صدور هذا الإعلان، علقت سويلا برافرمان، وزيرة الداخلية، قائلة: “لقد تورطت فاغنر في أعمال النهب والتعذيب والقتل الهمجي. كما وإن عملياتها في أوكرانيا والشرق الأوسط وأفريقيا تشكل تهديدا للأمن العالمي”. ولكن إذا كان الأمر كذلك، فلماذا استغرق الأمر كل هذا الوقت كي تتخذ الحكومة الإجراءات المناسبة للحد من أنشطة فاغنر؟ ففي نهاية المطاف، توقفت المنظمة عمليا عن العمل في أعقاب وفاة يفغيني بريغوجين في حادث تحطم طائرة الشهر الماضي. من المؤكد أن حظر فاغنر عندما كان بريغوجين في أوج مجده وعندما كان يلعب دورًا حاسمًا في الهجوم العسكري الروسي على أوكرانيا كان سيكون له وزن أكبر بكثير من اتخاذ هذه الخطوة بعد وفاته”.
وأضافت الصحيفة، “كما أشارت لجنة الشؤون الخارجية بمجلس العموم في تموز، في الوقت الذي فرضت فيه الولايات المتحدة وأوروبا عقوبات على عدد من الأفراد الذين يعملون لصالح شركة فاغنر مثل بريطانيا، لم تبد الحكومة اهتمامًا كبيرًا بحظر المجموعة. لا بل على العكس، أدى موقفها المتسامح إلى قيام بريغوجين باستغلال عملية الشكاوى الصحافية في المملكة المتحدة لتقديم حجة سخيفة مفادها أن فاغنر لم يكن موجودا حقا، وأنه حتى لو كان موجودا، فهو لم يديره”.
وبحسب الصحيفة، “لكن إذا كان الإجراء الذي اتخذته الحكومة ضد مجموعة فاغنر قد طال انتظاره، فهي على الأقل قد استجمعت أخيرًا الإرادة السياسية لفعل شيء ما، وهو أكثر مما يمكن قوله عن موقفها المرتبك في ما يتعلق بالحرس الثوري الإسلامي الإيراني. ففي الواقع، تعتبر مجموعة فاغنر التي يبلغ قوامها 25 ألف فرد صغيرة مقارنة بالحرس الثوري الإيراني، الذي يضم حوالى 200 ألف فرد نشط. وبصرف النظر عن كونه الوصي على الثورة الإسلامية في إيران، يتمتع الحرس الثوري الإيراني بسيطرة عليا على المؤسسات العسكرية والاستخباراتية والأمنية في البلاد، وهو الدور الذي يستخدمه لتوسيع نفوذ إيران الخبيث في كل أنحاء الشرق الأوسط. وترفع المنظمة تقاريرها مباشرة إلى المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، وتفتخر بوجود قوات برية وبحرية وجوية خاصة بها، وتشرف على البرنامج النووي الإيراني”.
وتابعت الصحيفة، “كانت بريطانيا في كثير من الأحيان هدفا لعمليات الحرس الثوري الإيراني. فتعرض أفراد الجيش البريطاني الذين يقاتلون في العراق وأفغانستان لهجمات إرهابية نفذتها المجموعات التي يسيطر عليها الحرس الثوري الإيراني ويجهزها. وفي الآونة الأخيرة، اضطرت شبكة تلفزيون إيرانية معارضة مقرها لندن إلى الانتقال إلى واشنطن بعد استهدافها من قبل الخلايا الإرهابية الإيرانية العاملة في العاصمة البريطانية. ومع ذلك، على الرغم من الأدلة الدامغة على النوايا العدائية للحرس الثوري الإيراني تجاه المملكة المتحدة ومصالحها، فقد ابتعدت الحكومة عن تصنيفها كمنظمة إرهابية، وفضلت بدلاً من ذلك فرض عقوبات على الموظفين الرئيسيين والشركات التي لها علاقات بالجماعة. إن التمييز مهم لأنه إذا تم تصنيف منظمة ما على أنها مجموعة إرهابية، يصبح الحصول على العضوية أو التمويل أو التعبير عن الدعم لأنشطتها جريمة جنائية في المملكة المتحدة”.
وبحسب الصحيفة، “هناك اعتبارات عدة تدعم إحجام الحكومة عن حظر الحرس الثوري الإيراني. فمن ناحية، يقال إن مثل هذه الخطوة من شأنها، نظرا للتأثير الهائل الذي تمارسه الحركة على الحكومة الإيرانية، تصنيف النظام الإيراني بأكمله ككيان إرهابي، وهو ما سيؤدي بشكل شبه مؤكد إلى قطع العلاقات الدبلوماسية. وهناك عامل رئيسي آخر يتلخص في أمل الحكومة البريطانية في إحياء المحادثات مع طهران بشأن طموحاتها النووية، وهو الطموح الذي يصبح أكثر عبثاً كلما اقترب النظام الإيراني من امتلاك الوسائل اللازمة لصنع قنبلة ذرية. ووفقاً لأحدث تقرير صادر عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فإن لدى طهران الآن القدرة على إنتاج ما يكفي من المواد الانشطارية لإكمال رأس حربي نووي في غضون أسبوع إلى 10 أيام. فعندما تمتلك طهران بالفعل الوسائل اللازمة لإنتاج أسلحة نووية، فما الفائدة من محاولة التفاوض على صفقة جديدة لمنعها من القيام بذلك؟”
وختمت الصحيفة، “إن الطريقة الأفضل للتعامل مع طهران هي أن تثبت بشكل لا لبس فيه أن بريطانيا وحلفائها لن يتسامحوا مع العدوان الإيراني، سواء كان يتعلق بالهجمات الإرهابية أو التهديدات النووية”.