لبنان

لبنان بين لحظة التغيير وخيار الوحدة الوطنية

18 كانون الأول, 2025

قبل أيّام، لفتت لوحاتٌ إعلانيّة أنظار اللبنانيين على طريق مطار رفيق الحريري الدولي – بيروت، تحمل شعار «وحدة اللبنانيين من أجل التغيير». لم تكن هذه الحملة مجرّد رسالة بصريّة عابرة، بل تعبيراً صريحاً عن حاجة وطنيّة ملحّة في لحظة سياسيّة مفصليّة، مع اقتراب الانتخابات النيابيّة المتوقّعة في أيّار المقبل، حيث يتطلع اللبنانيون إلى انتخاب مجلسٍ نيابيٍّ جديدٍ بأغلبيّة وطنيّة مستقلّة، لا تتبع لإيران ولا لأيّ محورٍ خارجيّ، ولا ترتهن لمشاريع تسعى إلى استنزاف لبنان وتدمير اقتصاده وتحويله إلى ساحةٍ مفتوحة لخدمة مصالح غيره.

تأتي هذه الحملة في ظلّ انهيار غير مسبوق يطال كلّ مفاصل الدولة، من الاقتصاد والعملة، إلى المؤسّسات والخدمات، وصولاً إلى ثقة المواطن بمستقبله. وقد أثبتت التجربة أنّ هذا الانهيار لم يكن قدراً، بل نتيجة مباشرة لسياسات ربطت لبنان بمحاور خارجيّة، وغطّت وجود سلاحٍ خارج سلطة الدولة، وشرعنت منطق الميليشيات على حساب القانون، ما أدّى إلى ضرب السيادة، وتعطيل الإصلاح، وإقفال أبواب الدعم والاستثمار.

من هنا، تبرز وحدة اللبنانيين كشرطٍ أوّل وأساسي لأيّ إنقاذ حقيقي. فلا يمكن استعادة لبنان بدولةٍ منقسمة، ولا بناء اقتصادٍ منتج في ظلّ فوضى السلاح، ولا حماية المجتمع من دون مؤسّسات شرعيّة قويّة تحتكر وحدها قرار الأمن والدفاع. إنّ الدولة القادرة لا تقوم بالشعارات، بل بإرادة سياسيّة جامعة تضع حداً للسلاح غير الشرعي، وتواجه الإرهاب بكلّ أشكاله، وتمنع تحويل لبنان إلى منصّة صراعات إقليميّة.

إنّ استعادة لبنان ووضعه على المسار الصحيح يتطلّبان مواجهة واضحة مع أسباب الانهيار، وفي مقدّمها هيمنة الميليشيات، وغياب المحاسبة، وتكريس الإفلات من العقاب. فلا خلاص من دون نزع السلاح غير الشرعي، ولا قيام لدولة من دون محاسبة المخربين، سواء كانوا فاسدين نهبوا المال العام، أو قوى فرضت سلاحها وإرادتها على اللبنانيين بالقوّة.

الانتخابات المقبلة تشكّل فرصة نادرة لإعادة تصويب البوصلة الوطنيّة. فهي ليست مجرّد استحقاق دستوري، بل معركة سيادة وخيار وجودي بين دولةٍ حرّة مستقلّة، ودولةٍ رهينة لمحاور لا ترى في لبنان سوى ورقة تفاوض وساحة نفوذ. وأمام هذا الخيار، تبقى وحدة اللبنانيين حول مشروع الدولة هي الطريق الوحيد للخلاص.

لبنان لا يُنقذ إلا بأبنائه، ولا يُستعاد إلا عندما يتوحّدون في مواجهة المحاور، ويرفضون الإرهاب والسلاح غير الشرعي، ويتمسّكون بدولة القانون والمؤسّسات. عندها فقط، يمكن للبنان أن ينهض من جديد، دولةً سيّدة، آمنة، وقادرة على تأمين مستقبل يليق بشعبها

شارك الخبر: