تكنولوجيا

أبل وواتساب تواصلان تحذير المستخدمين من برمجيات التجسس مع تمدد شركات إسرائيلية في أميركا

13 تشرين الثانى, 2025

تعهدت شركتا “أبل” و”واتساب” التابعة لـ”ميتا بلاتفورمز” بالاستمرار في توجيه تحذيرات لمستخدميهما حول العالم، بما في ذلك داخل الولايات المتحدة، في حال تعرّض هواتفهم لهجمات من حكومات تستخدم برمجيات تجسس متطورة، وذلك في ظل مساعي شركتي Paragon Solutions وNSO Group الإسرائيليتين لتعزيز حضورهما في السوق الأميركية عبر علاقات متنامية مع إدارة الرئيس دونالد ترامب.

وجاءت تأكيدات الشركتين رداً على استفسارات من صحيفة “الجارديان” البريطانية، في وقت تكثف فيه شركتا تجسس تأسستا في إسرائيل وتملكهما حالياً جهات استثمارية أميركية، تحركاتهما لدخول السوق الأميركية بعد سنوات من الحظر والملاحقات القانونية.

صفقة “باراجون” مع وكالة الهجرة الأميركية

وكشفت الصحيفة أن شركة “باراجون سوليوشنز”، المطوِّرة لبرنامج التجسس الشهير Graphite، وقّعت اتفاقاً في أيلول الماضي مع إدارة ترامب يمنح وكالة الهجرة والجمارك الأميركية (ICE) حق الوصول إلى واحدة من أكثر أدوات القرصنة تعقيداً في العالم.

ويأتي الاتفاق بعد قرار وزارة الأمن الداخلي الأميركية رفع التجميد عن عقد بقيمة مليوني دولار، كان قد عُلّق في عهد الرئيس السابق جو بايدن، بانتظار مراجعة قانونية لمدى توافقه مع أمر تنفيذي أصدره البيت الأبيض في أيار 2023، يحظر استخدام برمجيات تجسس أجنبية إذا شكّلت تهديداً للأمن القومي أو استُخدمت في انتهاكات لحقوق الإنسان.

وبحسب مصادر مطّلعة، كانت Paragon قد أبرمت اتفاقاً أولياً مع وكالة الهجرة عام 2024 في عهد إدارة بايدن، لكن الصفقة مرّت دون أن يلتفت إليها البيت الأبيض، قبل أن يكشف عنها لاحقاً تقرير لمجلة “Wired”. وبعد مراجعة الأمر التنفيذي، جرى تعليق العقد مؤقتاً، قبل أن تعيد إدارة ترامب تفعيله هذا العام، فاتحةً الباب أمام استخدام أداة Graphite داخل الأراضي الأميركية.

ورفضت الشركة الإسرائيلية التعليق على ما ورد في “الجارديان”، فيما أعرب عدد من أعضاء الكونغرس عن قلقهم من تبعات الاتفاق. وقال السيناتور الديمقراطي رون وايدن، عضو لجنة الاستخبارات، إن استخدام وكالة ICE لبرامج التجسس وتقنيات التعرف على الوجه “يزيد المخاوف من انتهاكات لحقوق الأميركيين”، متهماً الوكالة باتباع سياسات “تخرق الإجراءات القانونية وتضر بالأبرياء”.

فضيحة Graphite في أوروبا

حتى مطلع عام 2025، لم تكن Paragon قد تورطت في فضائح تجسس كبرى، خلافاً لشركة NSO Group التي أدينت مراراً باستخدام برنامجها “بيغاسوس” ضد صحافيين ونشطاء حول العالم. لكن في كانون الثاني2025 أعلنت “واتساب” رصد هجوم رقمي استهدف نحو 90 شخصاً، بينهم صحافيون ونشطاء مجتمع مدني في أوروبا، باستخدام برنامج Graphite.

ووفق تقارير إعلامية، استهدفت الهجمات عدداً من الصحافيين ورجال الأعمال والمدافعين عن حقوق الإنسان في إيطاليا، بينهم الرئيس التنفيذي لأحد أكبر المصارف في البلاد. وأشارت التحقيقات إلى تورط جهات حكومية إيطالية في استخدام البرنامج جزئياً، بينما نفت حكومة رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني مسؤوليتها المباشرة عن عمليات الاختراق.

ووصف رئيس الوزراء الإيطالي الأسبق ماتيو رينزي القضية بأنها “فضيحة ووترغيت الإيطالية”، مؤكداً أن استخدام برنامج تجسس بهذه القوة ضد صحافيين “لا يمكن تبريره في أي نظام ديمقراطي”. وبعد انكشاف القضية، أنهت Paragon تعاونها مع الحكومة الإيطالية، متهمةً إياها بمخالفة شروط الاستخدام التي تحظر استهداف الصحافيين وأفراد المجتمع المدني.

عودة NSO Group إلى الواجهة

بالتزامن مع تحركات Paragon، أعلنت شركة NSO Group – التي اتهمتها إدارة بايدن عام 2021 بالقيام بأنشطة “مخالفة للأمن القومي والمصالح الخارجية للولايات المتحدة” – تعيين ديفيد فريدمان، السفير الأميركي السابق لدى إسرائيل في ولاية ترامب الأولى، رئيساً تنفيذياً لمجلس إدارة الشركة القابضة المالكة لـ NSO.

وتأتي هذه الخطوة بعد انتقال ملكية NSO إلى مستثمرين أميركيين، من بينهم المنتج السينمائي المعروف روبرت سيموندز، في إطار عملية إعادة هيكلة تستهدف إعادة تأهيل الشركة ورفع العقوبات الأميركية المفروضة عليها.

وقال فريدمان، في اتصال من إسرائيل مع “الجارديان”، إنه “يأمل رفع العقوبات المفروضة على NSO”، موضحاً أنه لم يتحدث بعد مع الرئيس ترامب بشأن هذا الملف، ومعتبراً أن “الوقت لا يزال مبكراً لاتخاذ خطوات رسمية”.

وكانت NSO قد تلقت ضربة قضائية جديدة في أكتوبر الماضي، عندما حكمت محكمة أميركية لصالح “واتساب” بعد معركة قانونية استمرت ست سنوات، وأصدرت قراراً يمنع الشركة بشكل دائم من استهداف مستخدمي التطبيق حول العالم.

قدرات برمجيات التجسس

يمثل كل من Graphite وPegasus قمة ما توصلت إليه تقنيات التجسس الرقمي، إذ تستطيع هذه البرمجيات اختراق الهواتف الذكية من دون علم المستخدم، وتمكّن الجهات التي تشغّلها من قراءة الرسائل النصية، والتنصت على المكالمات، وتتبع الموقع الجغرافي، وتشغيل الكاميرا والميكروفون عن بُعد.

وتؤكد الشركات المطوِّرة أن هذه الأدوات وُجدت حصراً “لمكافحة الجرائم الخطيرة والإرهاب”، لكن تقارير حقوقية عديدة – بينها دراسات صادرة عن “Citizen Lab” في جامعة تورونتو – أثبتت استخدامها في استهداف صحافيين ومعارضين سياسيين ونشطاء حول العالم.

موقف أبل وواتساب وتحذيرات الخبراء

أكدت “أبل” في بيان رسمي أن “إشعارات التهديد تهدف إلى تنبيه المستخدمين الذين قد يكونون تعرّضوا لهجمات من برمجيات تجسس مرتزقة، من دون اعتبار الموقع الجغرافي معياراً في إرسال هذه الإشعارات”.

من جانبها، شددت “واتساب” على أن “أولوية الشركة هي حماية المستخدمين عبر تعطيل محاولات الاختراق، وبناء طبقات حماية جديدة، وتنبيه الأفراد الذين تعرّضت أجهزتهم لمحاولات تجسس أينما كانوا”.

وحذّر جون سكوت-رايلتون، الباحث البارز في Citizen Lab، من أن انتشار برامج التجسس التجارية يشكّل “تهديداً عالمياً صامتاً”، مؤكداً أن الولايات المتحدة “غير مستعدة بعد لمواجهة هذا النوع من التهديدات داخل حدودها، وكذلك المستشفيات والمحامون والقضاة والصحافيون والمواطنون العاديون”. وأضاف: “آخر ما تحتاجه أميركا الآن هو وباء صامت من التجسس الإلكتروني”.

أما كريستوفر راي، المدير السابق لمكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI)، فأكد أمام الكونغرس أن المكتب اختبر برنامج Pegasus لكنه قرر في النهاية عدم استخدامه، بسبب التعقيدات القانونية المرتبطة بالاستعانة بأدوات تجسس أجنبية ضد مواطنين أميركيين.

شارك الخبر: